القول الثالث: يجوز بيعه للحاجة.
وهذا قول عطاء والحسن.
واختار هذا القول ابن دقيق العيد.
والراجح الجواز للحاجة.
قال الشوكاني: وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْفِسْقِ وَالضَّرُورَةِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا.
وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا لَا الْمُدَبَّرُ تَدْبِيرًا مُقَيَّدًا نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَفُلَانٌ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَمَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا.
ثم قال رحمه الله: وَقَدْ ذَهَبَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ عَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، فَقَالَ: مَنْ مَنَعَ الْبَيْعَ مُطْلَقًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَنْعَ الْكُلِّيَّ يُنَاقِضُهُ الْجَوَازُ الْجُزْئِيُّ، وَمَنْ أَجَازَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: قُلْت بِالْحَدِيثِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ مُطْلَقًا بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ: " وَكَانَ مُحْتَاجًا " لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِبَيَانِ السَّبَبِ فِي الْمُبَادَرَةِ لِبَيْعِهِ لِيُبَيِّنَ لِلسَّيِّدِ جَوَازَ الْبَيْع. (نيل الأوطار).
[هل المدبر يعتق من كل المال أم من الثلث؟]
الجمهور يحسب من الثلث قياساً على الوصية.
قال الشوكاني: وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّدْبِيرِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ؟
فَذَهَبَ الْفَرِيقَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٍ وَالْعِتْرَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ.
وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَدَاوُد وَمَسْرُوقٌ إلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُخْرِجُهَا الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ
وَاعْتَذَرُوا عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَلَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْهِبَةِ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمُشَابَهَةِ التَّامَّةِ (نيل الأوطار)