وقال ابن قدامة: إذَا امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، فَلِغَرِيمِهِ مُلَازَمَتُهُ، وَمُطَالَبَتُهُ، وَالْإِغْلَاظُ لَهُ بِالْقَوْلِ، فَيَقُولُ: يَا ظَالِمُ، يَا مُعْتَدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَيُّ الْوَاجِدِ، يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ) فَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَعِرْضُهُ أَيْ: يُحِلُّ الْقَوْلَ فِي عِرْضِهِ بِالْإِغْلَاظِ لَهُ، وَقَالَ: النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) وَقَالَ (إنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا). (المغني).
فإذا امتنع المدين عن الوفاء، وماطل وهو معلوم الملاءة، فإنه يحبس، وبهذا قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
وهو مروي عن عدد من قضاء السلف منهم: شريح، والشعبي، وابن أبي ليلى.
قال ابن المنذر: أكثر من نحفظ قولهم من علما الأمصار وقضاتهم يرون الحبس في الديْن.
القسم الثاني: مدين معسر معدم.
فهذا إذا تحقق إعساره فلا يجوز تغليظ القول عليه، بل يجب تركه وإنظاره إلى ميسرة.
لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).
قال السعدي رحمه الله: (وَإِنْ كَانَ) المدين (ذُو عُسْرَةٍ) لا يجد وفاء (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) وهذا واجب عليه أن ينظره حتى يجد ما يوفي به.
وقال الشيخ محمد بن عثيمين: ومن فوائد الآية: وجوب إنظار المعسر - أي: إمهاله حتى يوسر، لقول الله تعالى: (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) فلا تجوز مطالبته بالدين، ولا طلب الدين منه.
ولأن التغليظ في القول والحبس لدفع الظلم لإيصال الحق إلى مستحقه، والمعسر لا ظلم منه لعدم قدرته على الوفاء، ولأنه إذا كان غير مستطيع وفاء دينه لا يكون الحبس مفيداً في حقه، لأن الحبس شرع للتوصل إلى قضاء الديْن، لا لعينه، وهذا أمر قد قال به عامة الفقهاء.
القسم الثالث: مدين معسر غير معدم، له من المال ما يكفي لبعض ديونه لا كلها.
فهذا المدين يحق لدائنيه رفع أمره إلى القاضي متى ما ركبته الديون وزادت عن ماله، وهذا القسم سياتي الكلام عليه - إن شاء الله - في باب الحجر إن شاء الله، (والمفلس: من كان دينه أكثر من ماله).
• ما حكم إعانة المدين المعسر؟
مستحب وفيه أجر كبير.
عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة) رواه مسلم.
(نفّس) أي: فرّج. (كُربة) أي: الكربة الخصلة الي يحزن بها.
قال الإمام النووي في شرح الحديث: ومعنى نفس الكربة: أزالها.
وفيه: فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وقد سبق تفصيله، وفضل إنظار المعسر، وفضل المشي في طلب العلم، ويلزم من ذلك الاشتغال بالعلم الشرعي بشرط أن يقصد به وجه الله تعالى، إن كان هذا شرطاً في كل عبادة، لكن عادة العلماء يقيدون هذه المسألة به، لكونه قد يتساهل فيه بعض الناس ويغفل عنه بعض المبتدئين ونحوهم. (شرح مسلم)