• ما الحكمة من منع الوصية بأكثر من الثلث لغير الوارث؟
أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث إلى الحكمة من هذا المنع، وهي أن يترك المال للورثة، فلا يحتاجون معه لسؤال الناس، وأن هذا خير له من أن يوصي ثم يترك ورثته فقراء.
فأراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك: تحقيق العدل بين الوصية وبين حق الورثة في المال، وإذا كان الموصي يريد بالوصية الثواب، فإن تركه المال لورثته الفقراء المحتاجين إليه أكثر ثواباً، فإن إعطاء القريب الفقير أفضل من إعطاء من ليس قريباً.
ولهذا يستحب لمن كان ورثته فقراء، وكان ماله قليلاً بحيث لا يغني الورثة، يستحب له أن لا يوصي، ويترك المال لورثته.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي: إنك لن تدع طائلاً إنما تركت شيئاً يسيراً، فدعه لورثتك)، ذكره ابن قدامه رحمه الله في (المغني) ثم قال: متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة، فلا تستحب الوصية، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علل المنع من الوصية بقوله: أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة.
ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي، فمتى لم يبلغ الميراث غناهم، كان تركه لهم كعطيتهم إياه، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم. (المغني).
• هل يجب تنفيذ وصية الميت؟
نعم، يجب تنفيذ وصية الميت، وعدم تنفيذها أو تغيير حكمها، مع توفر شروط صحتها لا يجوز، ومرتكب ذلك آثم.
لقول الله تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
لكن إن كان تغييرها لأفضل مما أوصى به الموصي، فقد اختلف أهل العلم في جوازه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم:
فمنهم من قال: إنه لا يجوز.
لعموم قوله تعالى (فمن بدله بعد ما سمعه) ولم يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير.
ومنهم من قال: بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل.
لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل، ونفع الموصى له، فكل ما كان أقرب إلى الله، وأنفع للموصى له، كان أولى أيضاً، والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به …
والذي أرى في هذه المسألة: أنه إذا كانت الوصية لمعين، فإنه لا يجوز تغييرها، كما لو كانت الوصية لزيد فقط، أو وقف وقفاً على زيد، فإنه لا يجوز أن تُغير، لتعلق حق الغير المعين بها.
أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد، أو لفقراء - فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى.