٢٥٢ - وَعَنْهُ -رضي الله عنه- (أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- مُرَّ بِحَسَّانَ يَنْشُدُ فِي اَلْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: "قَدْ كُنْتُ أَنْشُدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(مُرَّ بِحَسَّانَ) هو ابن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(يَنْشُدُ فِي اَلْمَسْجِدِ) يعني يسمع الناس في المسجد شيئاً من الشعر.
(فَلَحَظَ إِلَيْهِ) أي: نظر إليه، واللحظ النظر بمؤخر العين، أي: نظر إليه نظر عتب وإنكار.
• ما حكم إنشاد الشعر في المسجد؟
حديث الباب دليل على جواز الشعر في المسجد إذا كان مباحاً، وخاصة إذا كان في مناظرة للحق وللدفاع عن الإسلام.
وأيضاً يذل لذلك:
أ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ (مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ) رواه البخاري.
قال النووي: فِيهِ جَوَاز إِنْشَاد الشِّعْر فِي الْمَسْجِد إِذَا كَانَ مُبَاحًا، وَاسْتِحْبَابه إِذَا كَانَ فِي مَمَادِح الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.
بب- وعن عَائِشَة قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِى الْمَسْجِدِ يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ قَالَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رواه الترمذي.
ج-وعن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ (شَهِدْت النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُم) رواه الترمذي.
• فإن قيل: ما الجواب عن حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنْ الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ فِيهِ) رواه الترمذي.
الجواب الأول: أحاديث النهي ناسخة لأحاديث الجواز.
وقد قال بهذا القول واحد من الفقهاء ذكره الحافظ ابن حجر في (الفتح) فقال: وَأَبْعَدَ أَبُو عَبْد الْمَلِك الْبَوْنِيُّ فَأَعْمَلَ أَحَادِيث النَّهْيِ وَادَّعَى النَّسْخَ فِي حَدِيثِ الْإِذْنِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ حَكَاهُ اِبْنُ التِّينِ عَنْه.
الجواب الثاني: أحاديث الإذن تدل على الجواز، وأحاديث النهي تدل على الكراهة، فيكون إنشاد الشعر في المسجد جائز مع الكراهة.
الجواب الثالث: أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك، وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالباً على المسجد حتى يتشاغل به من فيه (الفتح)