وفي الحديث (اللَّهمَّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به منِّي، اللَّهمَّ اغفر لي جدي وهَزلي وخطئي وعمدي وكلُّ ذلك عندي).
وهذا كثيرٌ في الأدعية المأثورة، فإنَّ الدعاءَ عبوديةٌ لله وافتقارٌ إليه وتذلُّلٌ بين يديه، فكلَّما كثَّره العبدُ وطوَّله وأعاده وأبداه ونوَّع جُملَه كان ذلك أبلغَ في عبوديته وإظهار فقره وتذلُّلِه وحاجته، وكان ذلك أقربَ له من ربِّه وأعظمَ لثوابه، وهذا بخلاف المخلوق، فإنَّك كلَّما كثرت سؤاله وكررت حوائجك إليه أبرمته وثقلت عليه وهنتَ عليه، وكلما تركت سؤاله كان أعظمَ عنده وأحبَّ إليه، والله سبحانه كلَّما سألته كنتَ أقربَ إليه وأحبَّ إليه، وكلَّما أَلْححت عليه في الدعاء أحبَّكَ، ومَن لَم يسأل الله يغضب عليه.
كيف طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من ربه المغفرة مع أن الله أنزل على نبيه (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)؟
قيل: إن هذا من باب تأكيد المغفرة.
وقيل: إن هذا الاستغفار منه -صلى الله عليه وسلم- محض عبادة.
وقيل: إن هذا من تواضعه.
وقيل: أن هذا من باب كمال التذلل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربه، ورجحه الشيخ ابن عثيمين.
ما رأيك بمن يقول: إن هذا من باب تعليم الأمة؟
هذا جواب ضعيف، إذ كيف يشرع النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئاً في صلاته من أجل التعليم مع أنه يمكن أن يعلم الناس بالقول. (ابن عثيمين)
ماذا نستفيد من قوله -صلى الله عليه وسلم- (اللهم اغفر لي)؟
نستفيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد يقع منه ما يحتاج إلى المغفرة، لكن هناك ذنوباً لا يمكن أن تقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي: كل ما ينافي كمال المروءة [كالزنا، واللواط، والسرقة وما أشبه ذلك] أو كمال الرسالة [كالكذب، والخيانة].
ما رأيك بمن يقول: إن الآيات أو الأحاديث التي فيها استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- المراد بها ذنوب أمته؟
هذا قول ضعيف.
قال الشيخ ابن عثيمين: إن هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه.