هو مِنْ الأمن ضدُّ الخوف، والرَّوْعَاتُ جَمع رَوْعَة، وهو الخوفُ والحزن، ففي هذا سؤالُ الله أن يُجَنِّبَه كلَّ أمر يُخيفُه، أو يُحزنُه، أو يُقْلقُه، وذِكْرُ الرَّوْعات بصيغة الجمع إشارةٌ إلى كثرتها وتعدُّدِها.
فيه سؤالُ الله الحفظَ من المهالكِ والشُّرورِ التي تعرض للإنسان من الجهات السِّت، فقد يأتيه الشَّرُّ والبلايا من الأمام، أو من الخلف، أو من اليمين، أو من الشمال، أو من فوقه، أو من تحته، وهو لا يدري من أيِّ جهة قد يَفْجَأُه البلاءُ أو تَحُلُّ به المصيبة، فسأل ربَّه أن يَحفظَه من جميع جهاته، ثم إنَّ مِنْ الشَّرِّ العظيم الذي يحتاج الإنسانُ إلى الحفظ منه شرَّ الشيطان الذي يَتَرَبَّصُ بالإنسان الدوائر، ويأتيه من أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله؛ ليُوقِعَه في المصائب، وليَجُرَّه إلى البلايا والمهالك، وليُبْعِدَه عن سبيل الخير وطريق الاستقامة، كما في دعواه في قوله (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين).
فالعَبدُ بحاجة إلى حِصن مِنْ هذا العدوِّ، ووَاقٍ له من كَيْده وشَرِّه، وفي هذا الدعاء العظيم تَحصينٌ للعبد من أن يَصِلَ إليه شَرُّ الشَّيطان من أيِّ جهة من الجهات؛ لأنَّه في حفظ الله وكَنَفِه ورعايته.
وقوله:"وأعوذ بعظمتك أن أُغتال من تحتِي" فيه إشارةٌ إلى عظم خُطورة البلاء الذي يَحلُّ بالإنسان من تحته، كأن تُخسَف به الأرض من تحته، وهو نوعٌ من العقوبة التي يُحِلُّها الله عز وجل ببعض مَنْ يَمشون على الأرض، دون قيام منهم بطاعة خالقها ومُبدعها، بل يَمشون عليها بالإثم والعدوان والشَّرِّ والعصيان، فيُعاقَبون بأن تُزَلْزَلَ من تحتهم أو أن تُخسَفَ بهم جزاءً على ذنوبهم، وعقوبةً لهم على عصيانهم كما قال الله تعالى: {فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون).