١٥٠١ - وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّهُ اَللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ مُسَلِّمًا شَقَّ اَللَّهُ عَلَيْهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَه.
===
(وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَهُوَ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَشَاهِد.
(مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا) أي: أوصل ضرراً إلى مسلم.
(وَمَنْ شَاقَّ مُسَلِّمًا) أي: أوصل مشقة وألحقها بمسلم.
قيل: والضرر والمشقة متقاربان، لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال، والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن. (تحفة الأحوذي)
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
نستفيد التحذير الشديد من إدخال الضرر أو المشقة على أحد من المسلمين.
وقد تقدم حديث عائشة في قوله -صلى الله عليه وسلم- ( … فشق عليهم فاشقق عليه).
قال الصنعاني: أَيْ مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُسْلِمٍ مَضَرَّةً فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ عِرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ضَارَّهُ اللَّهُ أَيْ جَازَاهُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْمَضَرَّةَ.
وَالْمُشَاقَّةُ الْمُنَازَعَةُ أَيْ مَنْ نَازَعَ مُسْلِمًا ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ جَزَاءً وِفَاقًا. وَالْحَدِيثُ تَحْذِيرٌ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ بِأَيِّ شَيء.
قال السعدي: هذا الحديث دل على أصلين من أصول الشريعة:
أحدهما: أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، وهذا من حكمة الله التي يحمد عليها، فكما أن من عمل ما يحبه الله أحبه الله، ومن عمل ما يبغضه أبغضه الله، ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه، كذلك من ضار مسلما ضره الله، ومن مكر به مكر الله به، ومن شق عليه شق الله عليه، إلى غير ذلك من الأمثلة الداخلة في هذا الأصل.
الأصل الثاني: منع الضرر والمضارة، وأنه «لا ضرر ولا ضرار» وهذا يشمل أنواع الضرر كله.
والضرر يرجع إلى أحد أمرين: إما تفويت مصلحة، أو حصول مضرة بوجه من الوجوه، فالضرر غير المستحق لا يحل إيصاله وعمله مع الناس، بل يجب على الإنسان أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه.
فيدخل في ذلك: التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها، والمكر والخداع والنجش، وتلقي الركبان، وبيع المسلم على بيع أخيه، والشراء على شرائه. ومثله الإجارات، وجميع المعاملات والخطبة على خطبة أخيه، وخطبة الوظائف التي فيها أهل لها قائم بها. فكل هذا من المضارة المنهي عنها.
وكل معاملة من هذا النوع، فإن الله لا يبارك فيها، لأنه من ضار مسلما ضاره الله، ومن ضاره الله، ترحل عنه الخير، وتوجه إليه الشر وذلك بما كسبت يداه.
ويدخل في ذلك: مضارة الشريك لشريكه، والجار لجاره، بقول أو فعل حتى إنه لا يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره، فضلاً عن مباشرة الإضرار به.
ويدخل في ذلك: مضارة الغريم لغريمه، وسعيه في المعاملات التي تضر بغريمه، حتى إنه لا يحل له أن يتصدق ويترك ما وجب عليه من الدين إلا بإذن غريمه، أو يرهن موجوداته أحد غرمائه دون الباقين، أو يقف، أو يعتق ما يضر بغريمه، أو ينفق أكثر من اللازم بغير إذنه.
[ماذا نستفيد من الحديث بالمفهوم؟]
قال السعدي: وكما يدل الحديث بمنطوقه: أن من ضار وشاق ضره الله وشق عليه، فإن مفهومه يدل على: أن من أزال الضرر والمشقة عن المسلم فإن الله يجلب له الخير، ويدفع عنه الضرر والمشاق، جزاء وفاقاً، سواء كان متعلقاً بنفسه أو بغيره.