لحديث الباب (لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ).
وذهب الأكثر إلى قبولها.
لحديث ابن عباس (أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني رأيت الهلال … ).
فقد قبِلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- شهادة الأعرابي في إثبات دخول رمضان، وهو في الصوم، فيقاس عليه غيره من الأحكام.
وأما حديث الباب: محمول على من لا تعرف عدالته من أهل البادية.
قال أبو بكر اِلْجَصَّاص: اخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا.
وقال الإمام الشوكاني: ذهب الأكثر إلى القبول قال ابن رسلان: وحملوا هذا الحديث على من لم تعرف عدالته من أهل البدو والغالب أنهم لا تعرف عدالتهم ا. هـ. وهذا حمل مناسب لأن البدوي إذا كان معروف العدالة كان رد شهادته لعلة كونه بدوياً غير مناسب لقواعد الشريعة لأن المساكن لا تأثير لها في الرد والقبول لعدم صحة جعل ذلك مناطاً شرعياً ولعدم انضباطه فالمناط هو العدالة الشرعية إن وجد للشرع اصطلاح في العدالة وإلا توجه الحمل على العدالة اللغوية فعند وجود العدالة يوجد القبول وعند عدمها يعدم ولم يذكر -صلى الله عليه وسلم- المنع من شهادة البدوي إلا لكونه مظنة لعدم القيام بما تحتاج إليه العدالة وإلا فقد قبل -صلى الله عليه وسلم- في الهلال شهادة بدوي .... (نيل الأوطار)
وقال القرطبي: … فعمموا الحكم، ويلزم منه قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدلاً مرضياً وبه قال الشافعي ومن وافقه، وهو -أي البدوي- من رجالنا وأهل ديننا. وكونه بدوياً ككونه من بلد آخر والعمومات في القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسوي بين البدوي والقروي، قال الله تعالى (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ) وقال تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فمنكم خطاب للمسلمين. (تفسير القرطبي)
فائدة:
أما الذين لم يجيزوا شهادة البدوي على الحضري فيرون أن لذلك أسباباً منها أنه يغلب على أهل البادية الجهل بأحكام الدين عامة والشهادة خاصة.
قال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين والجهالة بأحكام الشريعة ولأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن وجهها.