ينهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والاستهزاء بهم، ثم بين الحكمة: فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله تعالى وأحب إليه من الساخر منه والمحتقر له (ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن) فنص على نهي الرجال، وعطف بنهي النساء، ففي الآية تحريم السخرية والاستهزاء بالناس واحتقارهم.
ما معنى (بِحَسْبِ اِمْرِئٍ مِنْ اَلشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ اَلْمُسْلِم).
قال ابن رجب: يعني: يكفيه مِنَ الشرِّ احتقارُ أخيه المسلم، فإنَّه إنَّما يحتقرُ أخاه المسلم لتكبُّره عليه، والكِبْرُ من أعظمِ خِصالِ الشَّرِّ، وفي صحيح مسلم عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال (لا يدخلُ الجنَّة من في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبْرٍ).
[اذكر ماذا تستلزم السخرية؟]
أولاً: أنها من أعظم الشرور.
قال -صلى الله عليه وسلم- ( … بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم).
ثانياً: ربما يكون المسخور منه أفضل وأعظم عند الله من الساخر.
كما جاء في الآية (عسى أن يكونوا خيراً منهم).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (ربّ أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره).
ثالثاً: أن السخرية من صفات الكفار بالمؤمنين.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ).
وقال تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ).
رابعاً: دليل على الكبر والتعاظم.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) أي احتقارهم.
خامساً: دليل على سوء الخلق.
ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المؤمن … ).
سادساً: أنه مناف لقضاء الله.
لأن هذا إذا كان فقيراً أو ضعيفاً فهذا من قدر الله وقضائه.
سابعاً: دليل على ضعف الإيمان.
لأن المؤمن الكامل دائماً يتهم نفسه ويخاف أن لا يتقبل منه.
ثامناً: أن السخرية من تقديم أمر الدنيا على الآخرة.
لأن الساخر نظر إلى وضعه الدنيوي ولم ينظر أنه ربما يكون عند الله أعظم وأفضل.
ونستفيد: أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم لقوله (اَلتَّقْوَى هَا هُنَا).