قال ابن رجب: قوله (التَّقوى هاهنا يشير إلى صدره ثلاثَ مرَّاتٍ) فيه إشارةٌ إلى أنَّ كرم الخَلْق عند الله بالتَّقوى، فربَّ من يحقِرُه الناس لضعفه، وقلَّةِ حظِّه من الدُّنيا، وهو أعظمُ قدراً عند الله تعالى ممَّن له قدرٌ في الدُّنيا، فإنَّ الناسَ إنّما يتفاوتُون بحسب التَّقوى.
كما قال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم).
وسئل النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ أكرمُ الناسِ؟ قال (أتقاهُم لله).
وفي حديث آخر (الكرمُ التَّقوى).
وإذا كان أصلُ التَّقوى في القُلوب، فلا يطَّلعُ أحدٌ على حقيقتها إلا الله -عز وجل-، كما قال -صلى الله عليه وسلم- (إنَّ الله لا ينظرُ إلى صُورِكُم وأموالِكم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم وأعمالكم) وحينئذ، فقد يكونُ كثيرٌ ممَّن له صورةٌ حسنةٌ، أو مالٌ، أو جاهٌ، أو رياسةٌ في الدنيا، قلبه خراباً من التقوى، ويكون من ليس له شيء من ذلك قلبُه مملوءاً مِنَ التَّقوى، فيكون أكرمَ عند الله تعالى، بل ذلك هو الأكثر وقوعاً، كما في الصحيحين عن حارثةَ بن وهبٍ، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال (ألا أُخبِرُكم بأهل الجنَّةِ: كلُّ ضعيف متضعَّفٍ، لو أقسم على الله لأبرَّهُ، ألا أخبركم بأهل النَّارِ: كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُستكبِرٍ).
وفي المسند عن أنس عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال (أمَّا أهلُ الجنَّة، فكلُّ ضعيفٍ متضعَّفٍ، أشعث، ذي طِمرين، لو أقسمَ على الله لأبرَّه؛ وأمَّا أهلُ النَّارِ، فكلُّ جَعْظَريٍّ جَوَّاظ جمَّاعٍ، منَّاعٍ، ذي تَبَع).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال (تحاجَّت الجنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بالمتكبِّرينَ والمتجبِّرين، وقالتِ الجنَّةُ: لا يدخُلُني إلا ضعفاءُ النَّاس وسَقَطُهم، فقال الله للجنَّةِ: أنت رحمتي أرحمُ بك من أشاءُ من عبادي، وقال للنار: أنت عذابي، أعذِّبُ بكِ من أشاء من عبادي).
وخرَّجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيدٍ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال (افتخرت الجنَّةُ والنَّارُ، فقالت النار: يا ربِّ، يدخُلُني الجبابرة والمتكبِّرون والملوكُ والأشرافُ، وقالت الجنَّةُ: يا ربِّ يدخُلُني الضُّعفاء والفقراءُ والمساكين) وذكر الحديث.