القول الثاني: أن التثويب يكون في الأذان الثاني [الذي بعد طلوع الفجر].
وهو مذهب الحنابلة اختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين.
أ- أن روايات الأحاديث التي جاءت بمشروعية التثويب قيدته بالأذان لصلاة الفجر أوالصبح، وهذا ينصرف إلى الأذان الثاني الذي يعتبر هو الأصل المتفق عليه، وهو الذي يكون بعد دخول وقت الصلاة.
ب- ما رواه البيهقي في سننه بسند صحيح عن نُعيْم بن النحام قال (كنت في لحاف امرأتي في غداة باردة، قال: فنادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى صلاة الفجر، قال: فقلت: لو قال: ومن قعد فلا حرج، قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومن قعد فلا حرج، ومن قعد فلا حرج) صححه الحافظ ابن حجر.
وهو يدل على أن (الصلاة خير من النوم) في الأذان الثاني من وجوه:
أولاً: قوله (في غداة) لأن الغداة تطلق على ما بعد طلوع الفجر إلى شروق الشمس.
ثانياً: قوله (نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دليل على أن ذلك النداء كان نداءً للصلاة، وهذا إنما يصدق على الأذان الثاني الذي عند دخول الوقت لا على الأول.
ثالثاً: قوله (ومن قعد فلا حرج) فإن المناسب لهذه الكلمة هو الأذان الثاني، لأنه هو الذي يخرج الناس بعده إلى المسجد.
ج-أن المقصود بالحديث بقوله (كان في الأذان الأول … ) الأذان الحقيقي (الذي يكون بعد طلوع الفجر) لأن الأذان الأول ليس نداء للصلاة، وإنما بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- حكمته بقوله (ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم) فهذا نص صريح في أن الأذان الأول ليس لصلاة الفجر.
د-أن الأذان الثاني هو المناسب لهذه الجملة، وذلك ببيان أن الصلاة التي فرض الله تعالى على عباده خير لهم من نومهم في هذا الوقت.
وهذا القول هو الصحيح.
والجواب عن قوله (الأذان الأول):
أن لفظة (الأول) تعني الأول بالنسبة للإقامة، وتكون الإقامة هي الأذان الثاني، وقد ورد في السنة الصحيحة تسمية الإقامة أذاناً، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم- (بين كل أذانين صلاة) متفق عليه.
وجاء في صحيح مسلم تسمية الأذان الذي يكون بعد دخول الوقت بالأذان الأول، وذلك فيما حدثته عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت (كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب فأفاض عليه الماء، وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين).
والمقصود بالركعتين: سنة الفجر الراتبة، قاله النووي.
• ما حكم التثويب لغير أذان صلاة الفجر:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يكره التثويب في غير أذان صلاة الفجر.
لأن الأحاديث الواردة في مشروعية التثويب في الأذان إنما خصت الأذان لصلاة الصبح دون غيرها.
عن مجاهد قال (دخلت مع عبد الله بن عمر مسجداً وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال: اخرج من عند هذا المبتدع) رواه الترمذي وأبو داود.