• اختلف العلماء: هل المقر بالزنا إذا رجع عن إقراره يقبل أم لا؟ على قولين:
القول الأول: أن المقر بالزنا إذا رجع، فإنه يقبل رجوعه ولا يقام عليه الحد.
وهذا قول أكثر العلماء.
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال كما عند أبي داود: (هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه).
فقالوا: هذا دليل على جواز رجوع المقر، وأنه إذا رجع في إقراره حرم إقامة الحد عليه.
القول الثاني: لا يقبل الرجوع عن الإقرار.
وهذا مذهب الظاهرية.
قالوا: لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لأنيس: (واغد إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) ولم يقل ما لم ترجع.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: وأما قولكم إن ماعزاً رجع عن إقراره، فإن ماعزاً لم يرجع عن إقراره أبداً، وهربه لا يدل على رجوعه إطلاقاً، نعم ماعز هروبه قد يكون عن طلب إقامة الحد عليه، فهو في الأول يريد أن يقام عليه الحد، وفي الثاني أراد أن لا يقام عليه الحد وتكون التوبة بينه وبين الله، ولهذا قال: (ألا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه) فدل هذا على أن حكم الإقرار باقي، فنحن نقول إن قصة ماعز ما فيها دليل إطلاقاً على رجوع الإقرار، ولكن فيها دليل على أنه رجع عن إقامة طلب الحد عليه، ولهذا إذا جاءنا رجل يقر بأنه زنى ويطلب إقامة الحد، ولما هيأنا الآلة لنقيم عليه الحد وآتينا بالحصى لأجل أن نرجمه، فلما نظر إلى الحصى قال: دعوني أتوب إلى الله، ما ذا نقول له؟ يجب أن ندعه يتوب إلى الله، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: (هلاّ تركتموه يتوب فيتوب الله عليه) حينئذٍ ندعه يتوب فيتوب الله عليه.
وأما لو قال: إنه ما زنى، فلا يقبل، لأن هذا الرجل يريد أن يدفع عن نفسه وصفاً ثبت عليه بإقراره.
- والحد الذي ثبت بالإقرار: فإنه لا يجب على الحاكم أن يبادر إليه؛ بل يستحب له أن يُعَرِّض للمقر ليرجع عن إقراره، فإن أصر المقر على إقراره، أقام الإمام عليه الحد.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن قصة ماعز: فتضمنت هذه الأقضية رجم الثيب …
وأن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر.
قال سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
وقد ذكر بعض العلماء أنه يستحب للإمام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالإقرار التعريض له بالرجوع، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أعرض عن ماعز حين أقر عنده، ثم جاء من الناحية الأخرى فأعرض عنه، حتى تم إقراره أربعاً. ثم قال: (لعلك لمست). وفي "المغني" لابن قدامة (١٢/ ٤٦٦): قال الإمام أحمد: لا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره، وهذا قول عامة الفقهاء" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (١٢/ ٤٦٦).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"إذَا جَاءَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَاعْتَرَفَ وَجَاءَ تَائِبًا فَهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ الإمام أَحْمَد، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهَا الْقَاضِي بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ، وَحَدِيثُ الَّذِي قَالَ: (أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ … إلخ الحديث) يَدْخُلُ فِي هَذَا، لِأَنَّهُ جَاءَ تَائِبًا.