للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٣٩١ - وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

===

(إنكم تختصمون إليّ) أي: تتحاكمون إلي.

(ولعل) لعل هنا بمعنى عسى.

(ألحن بحجته من بعض) أي: أفطن وأبلغ في حجته من الآخر.

(فمن قطعت له من حق أخيهِ شيئاً) معنى قطعت له: أي: أعطيته بهذا الحكم.

(فإنما أقطع له قطعة من النار) إذا كان الذي قضيت له بحسب الظاهر، لا يستحقه باطناً فهو عليه حرام.

(قطعة من النار) أي: يؤول به إلى النار.

[ماذا نستفيد من الحديث؟]

نستفيد: أن القاضي يقضي ويحكم على حسب ما يسمع من الخصمين، لأنه مأمور بالحكم بالظاهر، والإثم والتبعة على من كسب القضية بأمر باطل.

ونستفيد: أن حكم القاضي لا يغير حكماً شرعياً في الباطن فلا يحل حراماً.

مثال: لو شهدا شاهدا زور لإنسان بمال، فحكم القاضي بهذا المال لهذا الشخص فإنه لا يحل له بناء على هذه الشهادة، وهذا مذهب

جماهير العلماء، وعلى هذا فيكون قضاء القاضي نافذاً ظاهراً لا باطناً.

وجه الدلالة: لأنه توعد من حكم له بأنه يقتطع له قطعة من نار.

قال النووي: وَفِي هَذَا الْحَدِيث: دَلَالَة لِمَذْهَبِ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَجَمَاهِير عُلَمَاء الْإِسْلَام وَفُقَهَاء الْأَمْصَار مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدهمْ أَنَّ حُكْم الْحَاكِم لَا يُحِيل الْبَاطِن، وَلَا يُحِلّ حَرَامًا، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدًا زُور لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ، فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِم؛ لَمْ يَحِلّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ الْمَال، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلّ لِلْوَلِيِّ قَتْله مَعَ عِلْمه بِكَذِبِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَا بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته لَمْ يَحِلّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجهَا بَعْد حُكْم الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ -: يُحِلّ حُكْم الْحَاكِم الْفُرُوج دُون الْأَمْوَال، فَقَالَ: يَحِلّ نِكَاح الْمَذْكُورَة، وَهَذَا مُخَالِف لِهَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح وَلِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْله، وَمُخَالِف لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْره عَلَيْهَا، وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاع أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ الْأَمْوَال. وَاللَّهُ أَعْلَم. (شرح مسلم)

<<  <  ج: ص:  >  >>