وذهب بعض العلماء: إلى عدم جواز ذلك.
أ-لحديث أُمّ سَلَمةَ أَنْ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال (إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض، فأَقْضِي لَهُ بِنحْو ما أَسْمَعُ).
قال ابن رشد: هذا الحديث عمدة من منع القضاء على الغائب.
وجه الدلالة: قوله (فأَقْضِي لَهُ بِنحْو ما أَسْمَعُ) وهذا يدل على أن القاضي لا يحكم إلا بما يسمع من الخصمين.
ب- ولحديث الباب (إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ، فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ، حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ اَلْآخَرِ، فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي) قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ).
وجه الدلالة: نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الحكم لأحد الخصمين قبل سماع كلام الآخر، والحكم على الغائب حاله هكذا، يقضَى للمدعِي في غيبة المدعى عليه، فهو قضاء لأحدهما قبل سماع كلام الآخر، وهذا منهي عنه.
والراجح الأول.
تنبيه:
الاستدلال بحديث هند في قصة أبي سفيان فيه نظر من وجهين:
الوجه الأول: أن أبا سفيان لم يكن غائباً عن مكة بل كان في مكة اثناء هذا القضاء، وهم لا يقولون بالقضاء على الغائب في البلد.
الوجه الثاني: أن هذا من باب الفتوى وليس من باب القضاء بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يسألها البينة.
قال ابن القيم: وَقَدْ احْتَجّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْأَلْهَا الْبَيّنَةَ وَلَا يُعْطَى الْمُدّعِي بِمُجَرّدِ دَعْوَاهُ وَإِنّمَا كَانَ هَذَا فَتْوَى مِنْهُ -صلى الله عليه وسلم-. (زاد المعاد).
فائدة:
ذهب جمهور العلماء إلى عدم صحة القضاء على الغائب عن مجلس الحكم إذا كان غيابه داخل البلد.
فهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والمشهور من مذهب الشافعية، والحنابلة.
أ-أن الغائب خارج البلد غيبته تطول غالباً، أما من كان في البلد فلا تطول، ولذا لزم حضوره مجلس القاضي، فلعله يجد مطعناً ودفعاً لما ادعي عليه.
ب-أن إحضار من كان غائباً داخل البلد فيه تسهيل للقضاء، وسلوك أقرب الطرق واجب في القضاء.