وَسَبَبُ هَذِهِ الرَّحْمَةِ: أَنَّ هَذَا ذَنْبٌ يَقَعُ مِنَ الْأَشْرَافِ وَالْأَوْسَاطِ وَالْأَرَاذِلِ، وَفِي النُّفُوسِ أَقْوَى الدَّوَاعِي إِلَيْهِ، وَالْمُشَارِكُ فِيهِ كَثِيرٌ، وَأَكْثَرُ أَسْبَابِهِ الْعِشْقُ، وَالْقُلُوبُ مَجْبُولَةٌ إِلَى رَحْمَةِ الْعَاشِقِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعُدُّ مُسَاعَدَتَهُ طَاعَةً وَقُرْبَةً، وَإِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ الْمَعْشُوقَةُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَا يَسْتَنْكِرُ هَذَا الْأَمْرَ، فَهُوَ مُسْتَقِرٌّ عِنْدَ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَشْبَاهِ الْأَنْعَامِ، وَلَقَدْ حَكَى لَنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا نُقَّاصُ الْعُقُولِ كَالْخُدَّامِ وَالنِّسَاءِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا ذَنْبٌ غَالِبًا مَا يَقَعُ مَعَ التَّرَاضِي مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ وَالِاغْتِصَابِ مَا تَنْفُرُ النُّفُوسُ مِنْهُ
وَفِي النُّفُوسِ شَهْوَةٌ غَالِبَةٌ لَهُ فَيُصَوِّرُ ذَلِكَ لَهَا، فَتَقُومُ بِهَا رَحْمَةٌ تَمْنَعُ إِقَامَةَ الْحَدِّ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَكَمَالُ الْإِيمَانِ أَنْ تَقُومَ بِهِ قُوَّةٌ يُقِيمُ بِهَا أَمْرَ اللَّهِ، وَرَحْمَةٌ يَرْحَمُ بِهَا الْمَحْدُودَ، فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِرَبِّهِ تَعَالَى فِي أَمْرِهِ وَرَحْمَتِهِ. (الجواب الكافي).
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- الرجوع إلى كتاب لله نصاً أو استنباطاً.
- جواز القسم عَلَى الأمر لتأكيده، والحلف بغير استحلاف.
- أنه استدل به عَلَى أن حضور الإِمام الرجم ليس شرطاً، وسيأتي الكلام على المسألة إن شاء الله.
- أن فيه تركَ الجمع بين الجلد والتغريب.
- أن فيه الاكتفاءَ بالاعتراف بالمرة الواحدة؛ لأنه لم يُنقل أن المرأة تكرر اعترافها، وسيأتي بحث المسألة إن شاء الله.
والاكتفاء بالرجم منْ غير جلد؛ لأنه لم يُنقل فِي قصتها أيضاً.
- حسن خلق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وحلمه عَلَى منْ يخاطبه بما الأَوْلَى خلافه، وأن منْ تأسى به منْ الحكام فِي ذلك يحمد، كمن لا ينزعج لقول الخصم مثلاً: احكم بيننا بالحق.
- استحباب استئذان المدعي، والمستفتي الحاكم، والعالم فِي الكلام، ويتأكد ذلك إذا ظن أن له عذراً.
- أن منْ أقر بالحد، وجب عَلَى الإِمام إقامته عليه، ولو لم يعترف مشاركه فِي ذلك.
- أن السائل يذكر كل ما وقع فِي القصة؛ لاحتمال أن يَفهَم المفتي، أو الحاكم منْ ذلك، ما يَستدل به عَلَى خصوص الحكم فِي المسألة؛ لقول السائل (إن ابني كَانَ عسيفاً عَلَى هَذَا) وهو إنما جاء يسأل عن حكم الزنا، والسر فِي ذلك أنه أراد أن يقيم لابنه معذرةً مّا، وأنه لم يكن مشهورا بالعَهْر، ولم يَهجُم عَلَى المرأة مثلاً، ولا استكرهها، وإنما وقع له ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس، والإدلال، فيستفاد منه الحثّ عَلَى إبعاد الأجنبي منْ الأجنبية، مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتسور بها الشيطان إلى الإفساد.
- أن الحد لا يَقبل الفداء، وهو مجمع عليه فِي الزنا، والسرقة، والحرابة، وشرب المسكر، واختُلف فِي القذف، والصحيح أنه كغيره، وإنما يجري الفداء فِي البدن، كالقصاص فِي النفس والأطراف.
- جواز الاستنابة فِي إقامة الحد.
- أن حال الزانيين إذا اختلفا، أقيم عَلَى كل واحد حده؛ لأن العسيف جُلِدَ، والمرأة رُجمت.