القول الثالث: أن الوقوف إلى غروب الشمس من المستحبات.
وهذا قول الثوري، والصحيح من مذهب الشافعية، واختاره ابن حزم والنووي، ورجحه بقوة الشيخ الشنقيطي.
واستدلوا بحديث الباب ( … وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه).
ووجه الدلالة: أن قوله -صلى الله عليه وسلم- (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) دال على إجزاء الوقوف لمن وقف نهاراً ثم دفع قبل الغروب، حيث حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتمام حجه وقضاء تفثه.
وأجاب الجمهور بأن المراد بالوقوف نهاراً في الحديث، هو الوقوف حتى غروب الشمس؛ لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين، حيث لم يدفعوا إلا بعد غروب الشمس، فإن دفع قبل الغروب فحجه صحيح لحديث عروة بن مضرس المذكور، إلا أننا نوجب عليه دماً؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما (من نسى من نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً) رواه مالك والبيهقي.
والراجح القول الثاني، وأن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس من واجب.
وقد اختلف أصحاب هذا القول في مسائل:
المسألة الأولى: من غادر قبل غروب الشمس ثم عاد قبل الغروب:
فقيل: لا شيء عليه.
وهذا هو مذهب الحنابلة واختيار ابن باز.
قالوا: لأنه أتى بالواجب، ولأنه استدرك المتروك، فحكمه كحكم من تجاوز الميقات غير محرم، ثم رجع فأحرم منه.
وقيل: عليه دم.
قالوا: لأنه بالدفع لزمه الدم، فلم يسقط برجوعه.
قال الشيخ ابن عثيمين: إذا دفع قبل الغروب فقد تعمد المخالفة، فيلزمه الدم بالمخالفة، ورجوعه بعد أن لزمه الدم بالمخالفة لا يؤثر شيئاً.
المسألة الثانية: من غادر عرفة قبل الغروب وعاد بعد الغروب.
فقيل: عليه دم.
لأنه لما غربت عليه الشمس قبل العودة إلى عرفة لزمه الدم الواجب.
وقيل: لا شيء عليه.
• ما الحكم من اقتصر بالوقوف على الليل؟
قال ابن قدامة: وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، وَلَا جَاءَ عَرَفَةَ، حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ، فَوَقَفَ لَيْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) وَلِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَنْ مَنْزِلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ إذَا أَحْرَمَ مِنْهُ.
• اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟
- أنه يجزئ الوقوف بعرفة ولو جزءاً يسيراً.
- أن من وقف ولو لحظة في عرفة فقد تم حجه، لكن لا بد أن يكون أهلاً للوقوف.
- أن يكون مسلماً: وعلى هذا فلو كان لا يصلي، ووقف بعرفة، وبعد الدفع منها صلى، فلا يصح حجه، لأنه حين الوقوف ليس أهلاً للحج.
عاقلاً: فإن كان مجنوناً لم يصح وقوفه.
وغير سكران، وغير مغمي عليه.