للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: "إِنِّي حَسِيبٌ كَرِيمٌ" وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ؛ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» وَلَا قَالَ: "إِنِّي جَمِيلٌ مَلِيحٌ" إِنَّمَا قَالَ: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) فَسَأَلَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ، لَا بِالنَّسَبِ وَالْجَمَالِ.

لثَّالِثُ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فَأَرَادَ تَعْرِيفَ نَفْسِهِ، وَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ).

الرَّابِعُ: أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ غَيْرُهُ؛ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَاللَّهُ أَعْلَم.

فائدة:

خطورة الولاية، ولذلك امتنع الأكابر من الدخول فيها. قال عمر (ما أحببت الإمارة إلا يومئذ) قال ذلك يوم سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

فائدة:

أن دخل فيها وعدل واجتهد ولم يطلبها وقام بحقها فله أجر عظيم، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- (وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها) رواه مسلم.

وفي الحديث (سبعة يظلهم الله في ظله: … وذكر منها: إمام عادل).

قال العز بن عبد السلام على هذا بقوله: "وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجراً وأجلّ قدراً من غيرهم؛ لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل، فإن أحدهم يقول الكلمة الواحدة فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما دونها، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها، فيا له من كلامٍ يسير وأجرٍ كبير.

قال النووي معلقاً على حديث (يَا أَبَا ذَرّ إِنِّي أَرَاك ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبّ لَك مَا أُحِبّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اِثْنَيْنِ، وَلَا تُوَلَّيَنَّ مَال يَتِيم).

هَذَا الْحَدِيث أَصْل عَظِيم فِي اِجْتِنَاب الْوِلَايَات، لَا سِيَّمَا لِمَنْ كَانَ فِيهِ ضَعْف عَنْ الْقِيَام بِوَظَائِفِ تِلْكَ الْوِلَايَة، وَأَمَّا الْخِزْي وَالنَّدَامَة فَهُوَ حَقّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهَا، أَوْ كَانَ أَهْلًا وَلَمْ يَعْدِل فِيهَا فَيُخْزِيه اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة وَيَفْضَحهُ، وَيَنْدَم عَلَى مَا فَرَّطَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِلَايَةِ، وَعَدَلَ فِيهَا، فَلَهُ فَضْل عَظِيم، تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة كَحَدِيثِ: " سَبْعَة يُظِلّهُمْ اللَّه " وَالْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا عَقِب هَذَا (أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور) وَغَيْر ذَلِكَ، وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا، وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء، وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا.

[اذكر بعض الفوائد العامة من الحديث؟]

لا ينبغي لمسلم أن يحرص على الإمارة، لما يعقبها من الحسرات، وما فائدة لذة تعقبها حسرات وتبعات.

الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض.

قال ابن حجر: هذا إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- بالشيء قبل وقوعه فوقع كما أخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>