للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٦١ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ (كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَصْبَحَ، يَقُولُ: اَللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا، وَبِكَ أَمْسَيْنَا، وَبِكَ نَحْيَا، وَبِكَ نَمُوتُ، وَإِلَيْكَ اَلنُّشُورُ - وَإِذَا أَمْسَى قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ; إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: - وَإِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ) أَخْرَجَهُ اَلْأَرْبَعَةُ.

===

[ماذا نستفيد من الحديث؟]

نستفيد استحباب قول الذكر في الصباح والمساء.

فهذا دعاءٌ نبَوِيٌّ عظيمٌ، وذِكرٌ مُبَارَكٌ، يَجدُرُ بالمسلم أن يُحافظَ عليه كلَّ صباح ومساء، ويتأمَّلَ في معانيه الجليلة ودلالاته العظيمة، وكيف أنَّه قد اشتمل على تَذكير المسلم بعظيم فَضلِ الله عليه وواسِعِ مَنِّه وإكرَامِه، فنَوْمُ الإنسانِ ويقظَتُه، وحركتُه وسكونُه، وقيامُه وقعودُه إنَّما هو بالله عز وجل، فما شاء الله كان، وما لَم يشأ لَم يكن، ولا حولَ ولا قوةَ إلاَّ بالله العظيم.

وقوله في الحديث (بك أصبحنا) أي: بنعمتك وإعانتك وإمدادِك أصبحنا أي أدركنا الصباح، وهكذا المعنى في قوله (وبك أمسينا)

وقوله (وبك نَحيا وبك نموت) أي: حالُنا مُستَمرٌّ على هذا في جميع الأوقات وسائر الأحوال، في حركاتنا كلِّها وشؤوننا جَميعها، فإنَّما نحن بك، أنت المعين وحدَك، وأَزِمَّةُ الأمور كلّها بيدك، ولا غِنَى لنا عنك طَرْفَة عَيْن.

وفي هذا من الاعتماد على الله واللُّجوء إليه والاعتراف بِمَنِّه وفَضله ما يُحقِّقُ للمرء إيمانَه ويُقوِّي يقينَه ويُعْظِمُ صِلتَه بربِّه سبحانه.

وقوله في الحديث (وإليك النشور) أي المَرجِع يوم القيامة، ببَعْثِ النَّاس من قبورهم، وإحيائهم بعد إماتَتِهم.

وقوله (وإليك المصير) أي المرْجِعُ والمآب، كما قال تعالى (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى).

وقد جعل -صلى الله عليه وسلم- قوله "وإليك النشور" في الصباح، وقوله: "وإليك المصير" في المساء رعايةً للتَّناسب والتشاكل؛ لأنَّ الإصباحَ يُشبه النشرَ بعد الموت، والنوم موتةٌ صغرى، والقيامَ منه يشبه النشرَ من بعد الموت، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

والإمساءَ يُشبه الموتَ بعد الحياة؛ لأنَّ الإنسانَ يصير فيه إلى النَّوم الذي يشبه الموت والوفاة. فكانت بذلك خاتمةُ كلِّ ذِكرٍ متجانسةً غايةَ المجانسة مع المعنى الذي ذكر فيه.

ومِمَّا يُوَضِّح هذا ما ثبت عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه كان يقول عند قيامه من النوم: "الحمدُ لله الَّذي أَحْيَانا بعد ما أمَاتَنَا وإليه النُّشور"، فسُمِّيَ النوم موتاً والقيامُ منه حياةً من بعد الموت، وسيأتي الكلامُ على هذا الحديث وبيانُ معناه عند الكلام على أذكار النوم والانتباه منه إن شاء الله.

وفي الحديث نعمة الحياة.

وفيه إثبات البعث والنشور والرجوع إلى الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>