١١٨٩ - وَعَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ (أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعِي اِبْنِي فَقَالَ: "مَنْ هَذَا؟ " قُلْتُ: اِبْنِي. أَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: "أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ اَلْجَارُودِ.
===
(أَتَيْتُ اَلنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعِي اِبْنِي) ولفظ النسائي: عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَبِي، فَقَالَ: "مَنْ هَذَا مَعَكَ؟) فأبو رمثة هو الابن الذي جاء مع أبيه وليس هو الأب الذي جاء ومعه ابنه، وفي رواية أبي داود (آبنك هَذَا؟، قَالَ: إي وربّ الكعبة، قَالَ: حقّا، قَالَ: أشهد به، قَالَ: فتبسّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكًا منْ ثَبْتِ شبهي فِي أبي، ومن حلف أبي عليّ … ).
(قُلْتُ: اِبْنِي. أَشْهَدُ بِه) بهمز المتكلم، أي: أشهد بكونه ابني، ويحتمل أن يكون بوصل الهمزة، فعل أمر، ومعناه: كن أنت شاهدًا بأنه ابني منْ صلبي.
قيل: المقصود التزام ضمان الجنايات عنه، عَلَى ما كانوا عليه فِي الجاهليّة، منْ مؤاخذة كلّ منْ الوالد، والولد بجناية الآخر.
وإنما سأله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عنه، مع ظهور شبهه به؛ تأكيدًا للحكم الذي يخبره بعده.
(قَالَ: أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ) أي: لا تؤاخذ أنت بذنبه.
(وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ) أي: لا يؤاخذ بذنبك.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: أنه لا يؤخذ أحد بجريرة غيره، وإنما يؤاخذ بجريرة نفسه.
فمعني الحديث: أن جناية كلّ منهما قاصرة عَلَى نفسه، لا تتعدّاه إلى غيره، ولو كَانَ أقرب قريب له.
كما قال تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) أي: لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى.
والمراد الجناية بالعمد، والمراد أنه لا يُقتَل إلا القاتل، كما كَانَ عليه أمر الجاهليّة، منْ قتل أبيه، أو ابنه، أو أخيه، أو نحوهم، منْ الأقارب، فيكون هَذَا إخبارًا ببطلان أمر الجاهلية، وهذا هو الذي يؤيّده الْحَدِيث الآتي بعد هَذَا فِي قصّة بني ثعلبة.
قال القرطبي: ثبتت الأخبار، عن النبيّ المختار، محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه قضى بدية الخطأِ عَلَى العاقلة، وأجمع أهل العلم عَلَى القول به، وفي إجماع أهل العلم أن الدية فِي الخطأِ عَلَى العاقلة، دليل عَلَى أن المراد منْ قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي رِمثَةَ حيث دخل عليه، ومعه ابنه (إنه لا يجني عليك، ولا تجني عليه) العمد دون الخطأ.
• فإن قيل: فإن العاقلة تتحمل الدية في الخطأ وشبه العمد؟
فالجواب: أن تَحَمُّل العاقلة الدية عن القاتل فِي الخطأِ، وشبه العمد ليس منْ باب تحمّل جناية غيرها، بل هو منْ باب التناصر، والتعاون؛ تخفيفاً عن الجاني، حيث تحمّل جناية يُعذر فيها، ولذا لا تتحمل العاقلة جناية العمد؛ لأنه لا يُعذر فيها، بل هو الذي يتحملها، لكونه جانيًا عَلَى نفسه، متعدًا.