القول الثاني: أنه يجب على الجار أن يبذل حائطه لجاره مع الحاجة وقلة الضرر، وأنه يجبر على ذلك إذا امتنع.
وهذا مذهب الحنابلة، وبه قال أبو ثور، وإسحاق، وابن حزم.
لحديث الباب.
وجه الدلالة: أنه نهي صريح عن منع الجار من الانتفاع بجدار جاره، وظاهر النهي يقتضي التحريم، وبالتالي فلا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بجداره عند الحاجة.
قال ابن حجر: استدل به على أن الجدار إذا كان لواحد وله جار، فأراد أن يضع جذعه عليه جاز سواء أذن المالك أم لا، فإن امتنع أجبر، وبه قال أحمد، وإسحاق وغيرهما من أهل الحديث وابن حبيب من المالكية، والشافعي في القديم.
وهذا القول هو الصحيح.
• ما الجواب عن أدلة القول الأول؟
الجواب: أنها نصوص عامة، وحديث (لا يمنع … ) خاص، والخاص يقضي على العام.
قال البيهقي: لم نجد في السنن الصحيحة ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكر أن نخصها وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد
• بماذا أجاب أصحاب القول الأول عن حديث الباب؟
أ-قال ابن حجر: وحملوا الأمر في الحديث على الندب، والنهي على التنزيه جمعاً بينه وبين الأحاديث الدالة على تحريم مال المسلم إلا برضاه.
ب- قالوا: إن الضمير في (جداره) يعود لصاحب الخشب، أي: لا يمنع جاره أن يغرز خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضرر ونحوه.
لكن هذا خلاف الظاهر، ويؤيد رجوع الضمير إلى الجار، أن الراوي للحديث - أبو هريرة - قد حمل الضمير على ظاهره وهو عودته للجار، وأنكر على من أعرض عن ذلك، فدل على عودته للجار لا لصاحب الخشب.
• اذكر اهتمام الإسلام بالجار؟
أ-عن عائشة قالت. قال -صلى الله عليه وسلم- (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
قوله (سيورثه): قيل: يجعل له مشاركة في المال، وقيل: أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة، والأول أصح.
ب-وعَنْ أَبِى شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ». قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الَّذِى لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ) رواه البخاري.
قال ابن بطال: في هذا الحديث تأكيد على حق الجار لقسمه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وتكرير اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل.
وعن أبي هريرة. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) متفق عليه.
ج-وقال -صلى الله عليه وسلم- (حسن الأخلاق وحسن الجوار يزيدان في الأعمار) رواه أحمد.
د- وقال -صلى الله عليه وسلم- (يا أبا ذر! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) رواه مسلم.