للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشنقيطي: الَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا لَمْ تَدْعُهُ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ فَالْأَوْلَى لَهُ أَلَّا يَأْخُذَ عِوَضًا عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْعَقَائِدِ، وَالْحَلَالِ، وَالْحَرَامِ، لِلْأَدِلَّةِ الْمَاضِيَةِ، وَإِنْ دَعَتْهُ الْحَاجَةُ أَخَذَ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ المَأْخُوذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ قَبِيلِ الْإِعَانَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالتَّعْلِيمِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْأُجْرَةِ.

وَالْأَوْلَى لِمَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ أَنْ يَتَعَفَّفَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ فِي مُقَابِلِ التَّعْلِيمِ لِلْقُرْآنِ، وَالْعَقَائِدِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

• بماذا أجاب أصحاب القول الأول عن أدلة القول الثاني (المانعين)؟

أولاً: أن حديث عبادة في سنده المغيرة بن زياد، وقد تكلم فيه أحمد، والبخاري، وأبو حاتم.

ثانياً: أنه يحتمل أنه بدأ العمل مخلصاً محتسباً لله فلم يرد أن تغيير نيه.

قال الصنعاني: فذهب الجمهور ومالك والشافعي إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن سواء كان المتعلم صغيراً أو كبيراً، ولو تعين تعليمه على المعلم عملاً بحديث ابن عباس ويؤيده ما يأتي في النكاح من جعله صلى الله عليه وسلم تعليم الرجل لامرأته القرآن مهراً لها، قالوا: وحديث عبادة لا يعارض حديث ابن عباس إذ حديث ابن عباس صحيح وحديث عبادة في رواية مغيرة بن زياد مختلف فيه واستنكر أحمد حديثه وفيه الأسود بن ثعلبة فيه مقال فلا يعارض الحديث الثابت.

قالوا: ولو صح فإنه محمول على أن عبادة كان متبرعاً بالإحسان وبالتعليم غير قاصد لأخذ الأجرة فحذره -صلى الله عليه وسلم- من إبطال أجره وتوعده، وفي أخذ الأجرة من أهل الصفة بخصوصهم كراهة ودناءة لأنهم ناس فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ المال منهم مكروه.

وقال صاحب عون المعبود في شرح حديث عبادة: قال الخطابي اختلف قوم من العلماء في معنى هذا الحديث وتأويله:

فذهب بعضهم إلى ظاهره، فرأوا أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن غير مباح، وإليه ذهب الزهري، وأبو حنيفة، وإسحاق بن راهويه.

وقال طائفة لا بأس به ما لم يشترط وهو قول الحسن البصري وابن سيرين والشعبي.

وأباح ذلك آخرون وهو مذهب عطاء، ومالك، والشافعي، وأبي ثور واحتجوا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة فلم يجد لها مهراً زوجتكما على ما معك من القرآن.

وتأولوا حديث عبادة على أنه كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه ولم يكن قصده وقت التعليم إلى طلب عوض ونفع، فحذره النبي -صلى الله عليه وسلم- إبطال أجره وتوعده عليه، وكان سبيل عبادة في هذا سبيل من رد ضالة لرجل أو استخرج له متاعاً قد غرق في بحر تبرعاً وحسبة، فليس له أن يأخذ عليه عوضاً ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزاً، وأهل الصفة قوم فقراء كانوا يعيشون بصدقة الناس فأخذ المال منهم مكروه ودفعه إليهم مستحب، وقال بعض العلماء أخذ الأجرة على تعليم القرآن له حالات فإذا كان في المسلمين غيره ممن يقوم به حل له أخذ الأجرة عليه، لأن فرض ذلك لا يتعين عليه، وإذا كان في حال أو في موضع لا يقوم به غيره لم تحل له الأجرة وعلى هذا يؤول اختلاف الأخبار فيه. انتهى.

وقال النووي: وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين:

أحدهما: أن في إسناده مقالاً.

والثاني: أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئاً، ثم أهدي إليه على سبيل العوض فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم. والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>