وقال القرطبي: ( … في صورة شيطان) أي: في صفته من الوسوسة، والتحريك للشهوة؛ بما يبدو منها من المحاسن المثيرة للشهوة النفسية، والميل الطبيعي، وبذلك تدعو إلى الفتنة التي هي أعظم من فتنة الشيطان، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- (ما تركت في أمتي فتنة أضر على الرجال من النساء) فلمّا خاف -صلى الله عليه وسلم- هذه المفسدة على أمته أرشدهم إلى طريق بها تزول وتنحسم، فقال (إذا أبصر أحدكم المرأة فأعجبته فليأت أهله)، ثم أخبر بفائدة ذلك، وهو قوله (فإن ذلك يردّ ما في نفسه)، وللردّ وجهان:
أحدهما: أنَّ المنَّي إذا خرج؛ انكسرت الشهوة، وانطفأت، فزال تعلُّق النَّفْس بالصّورة الْمَرئية.
وثانيهما: أن محل الوطء والإصابة متساوٍ من النساء كلِّهن، والتفاوت إنما هو من خارج ذلك، فليُكْتَف بمحلِّ الوطء، الذي هو المقصود، ويُغْفَل عمَّا سواه، وقد دلّ على هذا ما جاء في هذا الحديث في غير "الأم" بعد قوله (فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها).
• ما حكم الاستمناء؟
استدل بعض العلماء بحديث الباب على تحريم الاستمناء.
وهذه العادة قديمة معروفة في الجاهلية قبل الإسلام، فقد كانوا يجلدون عُمَيْرَة إذا خلوا بواد لا أنيس به.
كما قال الشاعر:
إذا ما خلوتَ بوادٍ لا أنيسَ به فاجْلدْ عُمَيْرةَ لا عيبٌ ولا حرجُ
وعميرة كناية عن الذكر.
ومعنى الاستمناء: هو استدعاء خروج المني بغير جماع، سواء كان باليد أو بغيرها.
وقد اختلف العلماء في حكمه:
القول الأول: أنه حرام.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ-لقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون).
فأوجب الله على المسلم أن يحفظ فرجه إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، فإذا تجاوز زوجته وملك يمينه إلى غيرهما فإنه من العادين.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد استدل الإمام الشافعي ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية
ب-ولحديث الباب، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بالصيام، ولو كان الاستمناء جائزاً لأرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ج-ومن الأدلة: أن الله سبحانه وتعالى أباح للصحابة المتعة في أول الأمر، ثم نسخت بعد، وسبب إباحتها ما لقوه من شدة العزوبة في أسفارهم، وقد جعلها الله حلاً مؤقتاً لدفع حاجتهم، ولو كان الاستمناء مباحاً لبينه لهم، وهو أيسر وأقل مؤونة وأثراً.