معنى قوله (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا).
قال ابن القيم رحمه الله: معنى تنفسه في الشراب: إبانته القدح عن فيه، وتنفسه خارجه، ثم يعود إلى الشراب.
وفى هذا الشرب حِكَم جَمَّة، وفوائد مهمة، وقد نبه -صلى الله عليه وسلم- على مَجامعها بقوله:(إنه أروى، وأمرأ، وأبرأ)؛ فأروى: أشد رِيَّا وأبلغه وأنفعه. وأبرأ: من البرء، وهو الشفاء، أي: يبرئ من شدة العطش ودائه، لتردده على المعدة الملتهبة دفعات، فتسكن الدفعة الثانية ما عجزت الأولى عن تسكينه، والثالثة ما عجزت الثانية عنه، وأيضا فإنه أسلم لحرارة المعدة، وأبقى عليها من أن يهجم عليها البارد وهلة واحدة، ونهلة واحدة؛ فإنه لا يروي لمصادفته لحرارة العطش لحظة، ثم يقلع عنها، ولما تكسر سورتها وحدتها، وإن انكسرت لم تبطل بالكلية، بخلاف كسرها على التمهل والتدريج.
وأيضا فإنه أسلم عاقبة، وآمن غائلة من تناول جميع ما يروي دفعة واحدة، فإنه يخاف منه أن يطفئ الحرارة الغريزية بشدة برده، وكثرة كميته، أو يضعفها فيؤدى ذلك إلى فساد مزاج المعدة والكبد " انتهى باختصار. (زاد المعاد).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: يؤخذ من ذلك: أنه أقمع للعطش، وأقوى على الهضم، وأقلُّ أثرًا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة .... (الفتح).
وقال ولي الله الدهلوي: المعدة إذا وصل إليها الماء قليلاً قليلاً صرفته الطبيعة إلى ما يهمها، وإذا هجم عليها الماء الكثير تحيرت في تصريفه، والمبرود إذا ألقى في معدته الماء أصابته البرودة لضعف قوته من مزاحمة القدر الكثير، بخلاف ما إذا تدرج، والمحرور إذا ألقى على معدته ماء دفعة حصلت بينهما المدافعة ولم تتم البرودة، وإذا ألقى شيئاً فشيئاً وقعت المزاحمة أولا ثم ترجحت البرودة. (حجة الله البالغة)