فلما أقام الحد عليهما دلَّ على أنهما محصنان بنكاحهما، وذلك دليل على صحة أنكحتهم.
د-عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من بعده؛ من إقرار الكفار على أنكحتهم، وعدم استفسارهم عن شروطهم عند إسلامهم.
قال ابن قدامة: وقد أسلم خلق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلم نساؤهم وأقروا على أنكحتهم، ولم يسألهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شروط النكاح ولا كيفيته، وهذا أمرٌ علم بالتواتر والضرورة، فكان يقينًا، ولكن ينظر في الحال؛ فإن كانت المرأة على صفة يجوز له ابتداء نكاحها أقرَّ، وإن كانت ممن لا يجوز ابتداء نكاحها - كأحد المحرمات بالنسب أو السبب والمعتدة أو المرتدة والوثنية والمجوسية والمطلقة ثلاثاً - لم يُقرَّا، وإن تزوجها في العدة وأسلما بعد انقضائها أقرَّا؛ لأنها يجوز ابتداء نكاحها.
وقال ابن عبد البر: فقد أجمع العلماء أنّ الزوجين إذا أسلما معاً في حال واحدة أنّ لهما المقام على نكاحهما، إلا أن يكون بينهما نسب أو رضاع يوجب التحريم، وأنّ كل من كان له العقد عليها في الشرك كان له المقام معها إذا أسلما معا، وأصل العقد معفي عنه؛ لأنّ عامة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا كفارًا فأسلموا بعد التزويج، وأقروا على النكاح الأول، ولم يعتبر في أصل نكاحهم شروط الإسلام، وهذا إجماع وتوقيف.
وقال ابن الهمام: ومن حين ظهرت دعوته -صلى الله عليه وسلم- والناس يتواردون الإسلام إلى أن توفي -صلى الله عليه وسلم- على ما قيل - عن سبعين ألف مسلم غير النساء ولم يُنقل قط أنّ أهل بيت جدَّدوا أنكحتهم بطريق صحيح ولا ضعيف، ولو كان لقضت العادة بنقله، فعُلِم أنه قول باطل.
فائدة:
[قاعدة: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم.]
هذه قاعدة مهمة ذكرها العلماء، وذكروا لها أمثل منها:
قال الشوكاني: فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين. وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود. وذهبت العترة وأبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه -صلى الله عليه وسلم- للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله "أختر أيتهما" وفي قوله "أختر أربعا" من الإطلاق.