و-وعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ فُلَانٌ شَهِيدٌ حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا فُلَانٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «كَلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ». قَالَ فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ «أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ) رواه مسلم.
والغلول ذنب عظيم ولو كان شيئاً يسيراً.
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ) رواه أبو داود.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الغلول يمنع من إطلاق الشهادة على الغالّ؛ فلا يستحق بذلك غفران كل الذنوب.
قال النووي رحمه الله: الغُلُول يَمْنَع مِنْ إِطْلَاق اِسْم الشَّهَادَة عَلَى مَنْ غَلَّ إِذَا قُتِل.
قال القاري رحمه الله: وفِيهِ بَحْثٌ، إِذْ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ شَهَادَتِهِ، كَيْفَ وَقَدْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَخِدْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهِيدِ ألّا يَكُونُ عَلَيْهِ ذَنَبٌ أَوْ دَيْنٌ بِالْإِجْمَاع. (مرقاة المفاتيح).
وقد يقال: إن الغلول يحرم الشهيد من الوصول إلى مقام الشهادة العليا، والذي به يُغفر له كل الذنوب، وإن كان لا يحرمه من أصل الشهادة وفضيلتها.
• ما حكم من تاب من الغنيمة؟
[الحال الأولى: أن يتوب قبل القسمة، فيجب رده.]
قال ابن قدامة: إذَا تَابَ الْغَالُّ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، رَدَّ مَا أَخَذَهُ فِي الْمُقْسَمِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ.
لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَيَّنَ رَدُّهُ إلَى أَهْلِهِ.
الحال الثانية: فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؟
فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ يُؤَدِّيَ خُمُسَهُ إلَى الْإِمَامِ، وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي.
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْرِفُ لِلصَّدَقَةِ وَجْهًا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْغَالِّ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَا أَقْبَلُهُ مِنْك، حَتَّى تَجِيءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وَلَنَا قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
وَلِأَنَّ تَرْكَهُ تَضْيِيعٌ لَهُ، وَتَعْطِيلٌ لِمَنْفَعَتِهِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا، وَلَا يَتَخَفَّفُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ إثْمِ الْغَالِّ.
وَفِي الصَّدَقَةِ نَفْعٌ لِمَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْمَسَاكِينِ، وَمَا يَحْصُلُ مِنْ أَجْرِ الصَّدَقَةِ يَصِلُ إلَى صَاحِبِهِ، فَيَذْهَبُ بِهِ الْإِثْمُ عَنْ الْغَالِّ، فَيَكُونُ أَوْلَى .... (المغني).