• هل تسقط الكفارة بالعجز والإعسار أم لا؟
اختلف العلماء: هل تسقط الكفارة بالعجز والإعسار أم لا؟ على قولين:
القول الأول: تسقط بالعجز والإعسار.
وهو أحد قولي الشافعي، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصحيح من المذهب، وقول الأوزاعي.
أ-لحديث الباب. حيث قال -صلى الله عليه وسلم- (أطعمه أهلك).
وجه الاستدلال: قال ابن قدامة - في الاستدلال لهذا القول: بدليل أنّ الأعرابي لما دفع إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- التمر وأخبره بحاجته إليه قال (أطعمه أهلك)، ولم يأمر بكفارة أخرى.
وقال النووي: واحتج لهذا القول بأنّ حديث هذا المجامع ظاهر بأنه لم يستقرَّ في ذمته شيء؛ لأنه أخبر بعجزه ولم يقل له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنّ الكفارة ثابتة في ذمته، بل أذن له في إطعام عياله.
ب-القياس على زكاة الفطر، فإنه إذا عُدِمَهَا وقت الوجوب ثم وجدها فيما بعد؛ فإنه لا تجب عليه، لتعلقها بطهرة الصوم.
قال ابن حجر: ويتأيد ذلك - يعني الاستدلال بحديث الأعرابي السابق - بصدقة الفطر، حيث تسقط بالإعسار المقارن لسبب وجوبها، وهو هلال الفطر.
ج - لعموم قوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
القول الثاني: لا تسقط بالعجز بل تبقى في ذمته.
والظاهر من المذهب، والمالكية، والقول الثاني للشافعي، وهو الصحيح عند الشافعية، ورواية عن أحمد، وهو اختيار الخطابي.
أ- لحديث الباب.
ووجه الاستدلال: أنّ الأعرابي لما أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعجزه عن أجناس الكفارة لم يبيِّن له سقوطها عنه، بل أمر له بما يكفر به من التمر، فدلَّ على ثبوتها في ذمته وإن عجز عنها.
قال ابن تيمية - عند ذكره لأدلة هذا القول -: ولأنّ الأعرابي لو سقطت الكفارة عنه لما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتكفير بعد أن أُتِىَ بالعَرَق، فإنه حين وجوب الكفارة كان عاجزاً.
وقال النووي: وأمّا الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة، بل فيه دليل لاستقرارها؛ لأنه أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه عاجز عن الخصال الثلاث ثم أُتِيَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة، فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره بإخراجه، فدلَّ على ثبوتها في ذمته، وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه كان محتاجًا ومضطرًّا إلى الإنفاق على عياله في الحال، والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وإطعام عياله، وبقيت الكفارة في ذمته.
ب- قياسًا على سائر الديون والحقوق والمؤاخذات.
وتُعُقب: بما قاله ابن قدامة: لا يصح القياس على سائر الكفارات؛ لأنه اطِّراح للنص بالقياس، والنص أولى.
والراجح القول الأول.