للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهذه الأحاديث تبين عظمة حقوق الغير، سواء كانت في النفس، أو في العرض، أو في المال، وأن من ظلم مسلماً في شيء منها فإنه مؤاخذ به يوم القيامة، وأن الله يقتص منه لخصمه، وأن هذا الأمر سبب عظيم لدخول النار كما نصت عليه الأحاديث.

الحالة الثانية: إذا الدين في مباح وبنيته الوفاء.

فإن مات قبل الوفاء من غير تقصير منه، فإن الله يقضي عنه دينه يوم القيامة، فيعوض دائنيه فضلاً منه وتكرماً، وأما المدين فلا مؤاخذة عليه لعدم تقصيره أو تفريطه.

قال ابن حجر: من مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يُعسر مثلاً … وكانت بنيته وفاء دينه، ولم يوفَ عنه في الدنيا، … الظاهر أنه لا تبِعة عليه والحالة هذه في الآخرة، بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين، كما دل عليه حديث الباب.

وقال ابن عبد البر: ومن أدَان في حق واجب لفاقة أو عسرة، ومات ولم يترك وفاء، فإن الله لا يحبسه عن الجنة -إن شاء الله- لأن على السلطان فرضاً أن يؤدي عنه دينه، إما من جملة الصدقات، أو من سهم الغارمين، أو من الفيء الراجع على المسلمين من صنوف الفيء.

• الحديث دليل على وجوب المسارعة في أداء الديون، وتحريم المماطلة.

أ- لحديث أبي هريرة. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (مطل الغني ظلم) متفق عليه.

المطل: منع أداء ما استحق أداؤه.

الغني: القادر على السداد.

ب- وعن عمرو بن الشريد عن أبيه. قال: قال -صلى الله عليه وسلم- (لي الواجد يحل عرضَه وعقوبَته) رواه ابن ماجه.

(لَيْ) اللي: المطل. (الواجد) الواجد: هو القادر على قضاء دينه. (عرضه) أي: لصاحب الدين أن يذمه ويصفه بسوء القضاء، وفسره وكيع في هذا: بشكايته، وكذا سفيان عند البخاري معلقاً. (وعقوبَته) أي: حبسه، كما فسره وكيع في هذا الحديث.

ففي هذه الأحاديث تحريم المماطلة، ولذلك قسم بعض الفقهاء المدين إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: مدين غني قادر مقتدر على الوفاء بجميع ديونه.

فهذا يجب عليه وفاء دينه لغريمه في وقته.

فإن لم يفِ وأراد المماطلة، فلصاحب الحق أن يغلظ عليه بالقول، لأنه صاحب حق، وصاحب الحق له مقال، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فقد روى البخاري عن أبي هريرة (أن رجلاً أنى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتقاضاه، فأغلظ له، فهمّ به الصحابة، فقال: دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً)

قال ابن عبد البر: والدليل على أن مطل الغني ظلم لا يحل، ما أبيح منه لغريمه من أخذ عوضه والقول فيه بما هو عليه من الظلم وسوء الأفعال، ولولا مطله له كان ذلك فيه غيبة وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) يريد من بعضكم على بعض ثم أباح لمن مطل بدينه أن يقول فيمن مطله قال -صلى الله عليه وسلم- (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته) واللي المطل والتسويف والواجد الغني. (التمهيد)

<<  <  ج: ص:  >  >>