٩٢٩ - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ اَلنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (اَلْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ اَلسَّوْءِ، اَلَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ).
===
(اَلْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ) أي: الراجع في هبته التي أعطاها وأقبضها للموهوب له. (وهذا هو المشبه)
(كَالْكَلْبِ يَقِيءُ) هذا هو المشبه به، والقيء: إخراج ما بداخله.
(ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) أي: ثم يعود فيما تقيأه فيأكله. الغرض من هذا التشبيه: هو تقبيح حال المشبّه والتنفير منه، هنا وقع التقبيح من وجهين:
أولاً: التشبيه بالكلب.
ثانياً: التشبيه بالكلب الذي يقي ثم يعود في قيئه.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: تحريم الرجوع في الهبة بعد قبضها.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: تحريم الرجوع في الهبة.
وهذا مذهب جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
قال ابن حجر: بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهور العلماء.
أ-لحديث الباب (اَلْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) واستثنوا الوالد كما سيأتي.
قال الحافظ ابن حجر عن ترجمة البخاري: باب لا يحل لأحدٍ أن يرجع في هبته وصدقته، ثم ذكر البخاري حديث الباب (العائد في هبته … ).
قال الحافظ: كذا بت الحكم في هذه المسألة لقوة الدليل عنده.
وقال أيضاً قوله -صلى الله عليه وسلم- (ليس لنا مثل السوء) أي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك، وأدل على التحريم مما لو قال مثلا: لا تعودوا في الهبة.
وقال النووي: هَذَا ظَاهِر فِي تَحْرِيم الرُّجُوع فِي الْهِبَة وَالصَّدَقَة بَعْد إِقْبَاضهمَا. (شرح مسلم).
فقد شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- العائد في هبته في أقبح صورة، فإن الكلب من أخبث الحيوانات، ثم إن هذه الصورة من أبشع الصور، أن يقيء ثم يعود في قيئه.
ب- ولحديث ابن عمر وابن عباس. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) رواه أبو داود.
القول الثاني: جواز الرجوع في الهبة.
وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو قول ضعيف.