• هل عقوبة المحاربين على الترتيب أم على التخيير؟
اختلف العلماء في عقوبات المحاربين هل هي على الترتيب والاستحقاق على قدر الجناية أم على التخيير؟ على قولين:
القول الأول: أنها على الترتيب.
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ومذهب الشافعي وأصحابه، ومذهب أحمد وأصحابه.
وجه الاستدلال من الآية: أنّ «أو» فيها للترتيب، وقد دلَّ على ذلك أنه بدأ فيها بالأغلظ - وهو القتل -، ولو كانت لغير الترتيب لبدأ بالأخفّ.
قال الماوردي: أنه لّمَّا بدأ فيها بالأغلظ وجب أن يكون على الترتيب مثل كفارة القتل والظهار، ولو كانت على التخيير لبدأ فيها بالأخف مثل كفارة اليمين.
وقال ابن مفلح - في كلامٍ له - وجوابه بأنه قد عرف من القرآن أنّ ما أريد به التخيير فيبدأ بالأخف ككفارة اليمين، وما أريد به الترتيب فيبدأ بالأغلظ ككفارة الظهار والقتل.
وقد بدأ ها هنا بالأشدّ، فتكون للترتيب.
ب- عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيِّب الزاني، والمفارِق لدينه التارك للجماعة).
وجه الاستدلال من الحديث: قال ابن جرير: فحظر النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل رجل مسلم إلا بإحدى هذه الخلال الثلاث، فأما أن يُقتَل من أجل إخافته السبيل - من غير أن يَقتُل أو يأخذ مالاً - فذلك تقدُّم على الله ورسوله بالخلاف عليهما بالحكم.
ج- أنّ الجنايات تتفاوت على الأحوال، فلائقٌ تغلُّظ الحكم بتغلظها.
قال الماوردي: إنّ اختلاف العقوبات يوجب اختلاف أسبابها.
وقال ابن قدامة: ويدلُّ عليه أيضًا أنّ العقوبات تختلف باختلاف الإجرام، ولذلك اختلف حكم الزاني والقاذف والسارق، وقد سوَّوا بينهم هاهنا مع اختلاف جناياتهم.
القول الثاني: أنها على التخيير.
وهذا مذهب مالك وأصحابه، وهو اختيار الخطابي.
قال تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ)
وجه الاستدلال: أنّ «أو» في الآية هي للتخيير، وقد دلَّ على ذلك أنا وجدنا العطوف التي بـ «أو» في القرآن بمعنى التخيير في كلِّ ما أوجب الله به فرضًا منها.
وذلك كقوله في كفارة اليمين (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)، وكقوله (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).