١٢٦٥ - وَعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ اَلْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) وَمَعْنَاهُ: لا هِجْرَةَ مِنْ مَكَّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إِسْلامٍ.
(وَلكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) أي بقي الجهاد في سبيل الله، والنية الخالصة في أعمال الخير من جهاد وطلب علم وغيرهما.
وعند مسلم (وَإِذَا اسْتُنْفرِتُمْ) أي: طلب منكم الخروج إلى الجهاد (فانْفِرُوا) أي: اخرجوا.
• ما الجمع بين حديث الباب (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) وما ورد أن الهجرة باقية إلى يوم القيامة؟
صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديث أن الهجرة انقطعت بفتح مكة، كما في حديث الباب: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا).
وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا مجالد يبايعك على الهجرة، فقال -صلى الله عليه وسلم- (لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه على الإسلام).
وجاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إن الهجرة لا تنقطع ما قوتل العدو).
وللعلماء في الجمع بين هذه الأحاديث والتوفيق بينها مسالك:
قال البغوي رحمه الله: الأولى أن يجمع بينهما من وجه آخر: وهو أن قوله (لا هجرة بعد الفتح) أراد به من مكة إلى المدينة، وقوله (لا تنقطع الهجرة) أراد بها هجرة من أسلم في دار الكفر عليه أن يفارق تلك الديار، ويخرج من بينهم إلى دار الإسلام لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين) وعن سمرة بن جندب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله). (شرح السنة).
وقال النووي: قَوْله (قَالَ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يَوْم الْفَتْح فَتْح مَكَّة: لَا هِجْرَة وَلَكِنْ جِهَاد وَنِيَّة)
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح) قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء: الْهِجْرَة مِنْ دَار الْحَرْب إِلَى دَار السَّلَام بَاقِيَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيث تَأْوِيلَيْنِ:
أَحَدهمَا: لَا هِجْرَة بَعْد الْفَتْح مِنْ مَكَّة لِأَنَّهَا صَارَتْ دَار إِسْلَام، فَلَا تُتَصَوَّر مِنْهَا الْهِجْرَة.
وَالثَّانِي: هُوَ الْأَصَحّ أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْهِجْرَة الْفَاضِلَة الْمُهِمَّة الْمَطْلُوبَة الَّتِي يَمْتَاز بِهَا أَهْلهَا اِمْتِيَازًا ظَاهِرًا اِنْقَطَعَتْ بِفَتْحِ مَكَّة، وَمَضَتْ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْل فَتْح مَكَّة، لِأَنَّ الْإِسْلَام قَوِيَ وَعَزَّ بَعْدَ فَتْح مَكَّة عِزًّا ظَاهِرًا بِخِلَافِ مَا قَبْله. (نووي).