فلا يصح الإقرار من مكره.
أ- لأن الله رفع حكم الكفر عن المكره لقوله تعالى (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
ب- ولعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه.
ج- وقال تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). فكل العقود لا بد فيها من التراضي.
فإن ادعى الإكراه فإنه لا يقبل إلا ببينة، كأن يظهر عليه أثر ضربٍ أو حبس.
الشرط الثالث: ألا يكون محجور عليه.
فالمحجور عليه لحظ الغير لا يصح إقراره في أعيان ماله، ويصح في ذمته ويطالب بذلك بعد فك الحجر.
• فإذا أقر المقر فإنه يحكم القاضي عليه، ولا يجوز الرجوع عنه إلا ببينة إذا كان في حق من حقوق الآدميين.
• فالمرء مُؤاخذ بإقراره، فإن المرء إذا كان عاقلاً كامل الأهلية فإنه مُواخذ بما يقر به، ولو أنه أنكر بعد ذلك فلا عبرة بإنكاره، فمن أقر على نفسه إقرارًا صحيحًا في هذه الحالة يلزم بذلك، وهذا محل اتفاق من أهل العلم فيما يتعلق بالعقود والحقوق الواجبة عليه بإنشاء العقود، فلو أنه مثلاً أقر بمال أو ببيع ثم أنكر بعد ذلك فإنه يلزمه ذلك ولا ينفعه إنكاره.
• هل يجب على الإنسان أن يعترف بجميع الحقوق التي عليه للآدميين؟
نعم، يجب عليه أن يعترف بذلك، ليخرج من التبعة بأداء أو استحلال.
ويكون ذلك بأمرين: إما بأدائها إلى أصحابها - أو باستحلالهم من ذلك.
فإن حقوق الآدميين مبناها على المشاحاة.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخيه مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رواه البخاري.
[منْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخيه] اللام في قوله (له) بمعنى (على) أي: من كانت عليه مظلمة لأخيه، وقد جاء في رواية عند البخاري (من كانت عنده مظلمة لأخيه) وللترمذي (رحم الله عبداً كانت له عند أخيه مظلمة).
[مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ] أي: من الأشياء، وهو من عطف العام على الخاص، فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها، وعند الترمذي (من عرض أو مال).
[فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ] أي: يستبرئ ذمته منه بأدائه أو بعفوه.
[الْيَوْمَ] أي: في الدنيا.
[قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ] وذلك في يوم القيامة.
[وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ] أي: صاحب المظلمة.
[فَحُمِلَ عَلَيْهِ] أي: على الظالم.
ففي هذا الحديث أنه يجب على الإنسان أن يرد ما عليه من حقوق الآدميين، قبل أن يموت وينتقل إلى دار الآخرة فتكون عليه وتؤخذ من حسناته إن كان له عمل صالح، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه.
وقد جاء في الحديث عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- أَنْ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قال (أَتَدْرُون من الْمُفْلِسُ؟ قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فقال: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، ويأْتِي وقَدْ شَتَمَ هذا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِنْ حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حسناته قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ). رواه مسلم