١٤٧٢ - وَعَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ (يَا غُلَامُ! اِحْفَظِ اَللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اَللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اَللَّهَ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ) رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيح.
===
[ما صحة حديث الباب؟]
إسناده صحيح.
ما معنى (اِحْفَظِ اَللَّهَ يَحْفَظْكَ)؟
أي: أن من حفظ الله وذلك بإقامة أوامره وترك نواهيه حفظه الله في الدنيا والآخرة، ويحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله.
[اذكر بعض الأمثلة لحفظ الله لمن حفظه؟]
كان العبد الصالح أبو الطيب الطبري رحمه الله، قد جاوز المائة، وهو متمتع بعقله وقوته وكافة حواسه، حتى أنه سافر ذات مرة مع رفقة له، فلما اقتربت السفينة من الشاطئ وثب منها إلى الأرض وثبة شديدة، عجز عنها بقية الذين كانوا معه على السفينة، فاستغرب بعضهم هذه القوة الجسدية التي منحها الله إياه مع كبر سنه وشيخوخته، فقال لهم الطبري: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.
وكان العبد الصالح شيبان الراعي رحمه الله، يرعى غنماً له في البرية، فإذا جاءت الجمعة خط عليها خطاً، ثم ذهب وشهد الجمعة والخطبة مع جماعة المسلمين، ثم عاد إليها، فيجدها كما هي لم تتحرك منها شيء، ولم تجاوز الخط منها أي غنمة، فسبحان الحافظ المعين.
وقال عروة بن الزبير: بلغت أسماء بنت أبي بكر مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل.
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده:
كما قيل في قوله تعالى (وكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) إنهما حفظا بصلاح أبيهما.
قال محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها، والدويرات التي حولها، فما يزالون في حفظ الله وستر.
ومن أنواع حفظ الله لمن حفظه في دنياه: أن يحفظه من شر كل من يريده بأذى من الجن والإنس.
كما قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) قالت عائشة: يكفيه غم الدنيا وهمها.
وكتبت عائشة إلى معاوية: إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئاً.
كتب بعض السلف إلى أخيه: فإنه من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله الغني عنه.
قال ابن رجب: ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى:
كما جرى لسفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى الأسد، فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه ثم رجع عنه.