١٢٥٩ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِهِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاق) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
===
(وَلَمْ يَغْزُ) أي: لم يخرج للجهاد في سبيل اللَّه تعالى.
(وَلَمْ يُحَدِّث نَفْسَهُ بِغَزْوٍ) من التحديث، قيل: بأن يقول في نفسه: يا ليتني كنت غازيًا، أو المراد: ولم ينو الجهاد، وعلامته إعداد الآلات، كما قال اللَّه تعالى (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً).
(مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاق) بضمّ الشين المعجمة، وسكون العين المهملة-: أي خلق من أخلاق المنافقين. قيل: أشبه المنافقين المتخلّفين عن الجهاد.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد أهمية الجهاد، وأن تركه من صفات المنافقين.
قال ابن تيمية: ومن هذا الباب: الإعراض عن الجهاد فإنه من خصال المنافقين.
وقال النووي: الْمُرَاد أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجِهَاد فِي هَذَا الْوَصْف، فَإِنَّ تَرْك الْجِهَاد أَحَد شُعَب النِّفَاق.
ذكر مسلم -رحمه اللَّه تعالى- في "صحيحه" بعد إخراج الحديث: ما نصّه: قال ابن سهم. قال عبد اللَّه بن المبارك: فنُرَى أن ذلك كان على عهد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-.
قال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- مفسّرًا كلام ابن المبارك هذا: ما نصّه: يعني حيث كان الجهاد واجبًا، وحمله على النفاق الحقيقيّ، ويحتمل أن يحمل على جميع الأزمان، ويكون معناه: أن كلّ من كان كذلك أشبه المنافقين، وإن لم يكن كافراً.
وقال النوويّ -رحمه اللَّه تعالى-: قوله: "نُرى" -بضمّ النون- أي نظن. وهذا الذي قاله ابن المبارك محتملٌ. وقد قال غيره: إنه عامٌ، فحمل الحديث على العموم هو الأولى.
قال ابن تيمية: ومن هذا الباب - أي النفاق الأصغر- الإعراض عن الجهاد فإنه من خصال المنافقين قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (من مات ولم يغز … ).
• ما المراد بتحديث النفس في الحديث؟
قال القاري: قوله (وَلَمْ يُحَدِّث نَفْسَهُ) المعنى لم يعزم على الجهاد، ولم يقل: يا ليتني كنت مجاهداً، وقيل: لم يرد الخروج.
وقال ابن تيمية: ولا بد لكل مؤمن أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعزم عليه إذا احتيج إليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله، فمن مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة من نفاق.
وقال الشيخ ابن عثيمين: هذا الحديث يدل على أنه يجب على الإنسان أن يكون مستعداً لنصرة الله، فإما أن يباشر ذلك بنفسه، وإما أن يحدث نفسه بأنه متى حصل جهاد في سبيل الله جاهد، وإلا مات على شعبة من النفاق، ولم يقل (مات منافقاً) بل قال (على شعبة) ومعلوم أن الشعبة لا تخرج الإنسان من دين الإسلام.