فدور المرأة في مسألة الزنا أعظم ومدخلها أوسع، فهي التي تغري الرجل وتثيره وتهيج عواطفه، وتفتنه لذلك أمر الحق - تبارك وتعالى - الرجال بغَضِّ البصر وأمر النساء بذلك أيضاً وبعدم إبداء الزينة، وعدم التبرج، والمكوث في البيت كل ذلك ليسُدَّ نوافذ هذه الجريمة ويمنع أسبابها.
قال الحافظ في الفتح: وقدم السارق وقدمت الزانية على الزاني لوجود السرقة غالباً في الذكورية، ولأن داعية الزنا في الإناث أكثر، ولأن الأنثى سبب.
وقال الشيخ محمد السريّع: وأما السؤال الثاني: فقد يتردد على ألسنة المفسرين كثيراً، وذكروا له عدة أجوبة، والذي يظهر لي هو أن الابتداء بالمذكر في المائدة هو الأصل، ومع ذلك فله مناسبة وهي أن السرقة في الرجال قد تكون أكثر.
وأما تقديم المؤنث في قوله (الزانية والزاني) فلأمور منها:
أن الزنا لا يحصل إلا بمساعفة المرأة وتمكينها من نفسها، بل وتعرضها للرجل وإغوائها وإغرائها له، ولذا قدمت زجراً لها.
الوجه الثاني وهو أظهر: أنها لما كان الزنا في حق المرأة أشنع، وعاقبته أفظع، وتبعاته عليها أضر، مِنْ فقد البكارة، والتلبس بالحبل، وما يتبعه من الولد واشتباه النسب، وزيادة العار المتعدي، وكانت هذه الأمور وغيرها مما يبقى أثره ومعرفته على المرأة بخلاف الرجل الذي لا يلحقه من ذلك شيء، ولذلك يقل إقبال الأزواج على المرأة الزانية، وتضعف رغبتهم فيها .. لهذا كله ولغيره -والله أعلم- قدم لفظ (الزانية).
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد وجوب قطع يد السارق.
كما في الآية (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا … ).
قال ابن قدامة: بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا).
وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
فِي أَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ، نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجُمْلَةِ.