٩٥٨ - عَنْ اِبْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا-; أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (مَا حَقُّ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(مَا حَقُّ اِمْرِئٍ) ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده.
(مُسْلِمٍ) هذا الوصف خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، فإن وصية الكافر جائزة عند أهل العلم.
(لَهُ شَيْءٌ) جاء في رواية في غير الصحيحين بلفظ (له مال). يتناول المال والقرض والكفارات والدين.
(يَبِيتُ) جاء عند أحمد (حق على كل مسلم ألا يبيت .... ).
(لَيْلَتَيْنِ) عند مسلم (يبيت ثلاث ليال) قال القرطبي: المقصود بذكر الليلتين، أو الثلاث: التقريب، وتقليل المدَّة ترك كتب الوصية. ولذلك لَمَّا سمعه ابن عمر ـ رضى الله عنه، لم يبت ليلة إلا بعد أن كتب وصيته، والحزم المبادرة إلى كتبها أول أوقات الإمكان، لإمكان بغتة الموت التي لا يأمنها العاقل ساعة، ويحتمل أن يكون إنما خصَّ الليلتين بالذكر فسحة لمن يحتاج إلى أن ينظر فيما له وما عليه، فيتحقق بذلك، ويروي فيها ما يوصي به، ولمن يوصي، إلى غير ذلك.
(مَكْتُوبَةٌ) سواء كتبها بنفسه أو كتبها له غيره.
جاء عند مسلم: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَىَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي.
• ماذا نستفيد من الحديث؟
نستفيد: مشروعية الوصية.
والوصية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى (من بعد وصية يوصي بها أو دين).
قال تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية).
وحديث الباب.
وقد أجمع العلماء في جميع الأمصار والأعصار على جواز الوصية [قاله ابن قدامة].
• لكن اختلف العلماء هل هي واجبة أم مستحبة؟
القول الأول: أنها غير واجبة إلا من عليه حقوق للناس.
وهذا قول أكثر العلماء.
قال ابن قدامة: وَلَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ يُوصِي بِالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ أَدَاءَ الْأَمَانَاتِ، وَطَرِيقُهُ فِي هَذَا الْبَابِ الْوَصِيَّةُ، فَتَكُونُ مَفْرُوضَةً عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ، فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، إلَّا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَأَمَانَةٌ بِغَيْرِ إشْهَادٍ، إلَّا طَائِفَةً شَذَّتْ فَأَوْجَبَتْهَا.
قال ابن قدامة: وَلَنَا، أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخِلُّوا بِذَلِكَ، وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا ظَاهِرًا، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لَا تَجِبُ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَعَطِيَّةِ الْأَجَانِبِ.
فَأَمَّا الْآيَةُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ.
وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.