مثال في اليمين بالله: قال: والله لا ألبس هذا الثوب إن شاء الله، ثم لبسه فليس عليه شيء؛ لأنه قال: إن شاء الله، ولو قال:
الله لألبسن هذا الثوب اليوم إن شاء الله، فغابت الشمس ولم يلبسه، فليس عليه شيء.
والدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه.
مثال النذر: لو قال: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر إن شاء الله، فلا شيء عليه لو ترك، وكذلك لو قال: لله علي نذر أن لا أكلم فلاناً إن شاء الله، ثم كلمه فلا شيء عليه.
وقال رحمه الله: " لو علق النذر بالمشيئة فقال: لله علي نذر أن أفعل كذا إن شاء الله.
ففي النذر الذي حكمه حكم اليمين: ليس عليه حنث.
وإذا كان فعل طاعة، نظرنا إذا كان قصده التعليق فلا شيء عليه، وإذا كان قصده التحقيق أو التبرك وجب عليه أن يفعل، حسب نيته. (الشرح الممتع)
• ماذا يشترط في الاستثناء؟
أولاً: يشترط في الاستثناء أن يكون بلسانه فلو استثنى بقلبه لم ينفعه بالإجماع.
قال ابن قدامة: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْقَلْبِ.
فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْث، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ).
وَالْقَوْلُ هُوَ النُّطْقُ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِالنِّيَّةِ، فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ. (المغني).
ثانياً: وأن يكون متصل بيمينه حقيقة وحكماً:
حقيقة: والله لا أكلم فلاناً اليوم إن شاء الله [هذا اتصال حقيقي].
حكماً: لو قال والله لا ألبس هذا الثوب - فأخذه عطاس وجلس ربع ساعة وهو يعاطس - فلما هدأ قال: إن شاء الله [هذا اتصال حكماً لأنه منعه مانع من اتصال الكلام].
قال ابن قدامة: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ، بِحَيْثُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا يَسْكُتُ بَيْنَهُمَا سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، فَأَمَّا السُّكُوتُ لِانْقِطَاعِ نَفَسِهِ أَوْ صَوْتِهِ، أَوْ عَيٍّ، أَوْ عَارِضٍ، مِنْ عَطْسَةٍ، أَوْ شَيْءٍ غَيْرِهَا، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَثُبُوتَ حُكْمِهِ.
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ الرَّأْيِ.
لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (مَنْ حَلَفَ، فَاسْتَثْنَى) وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَقِيبَهُ.
وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ، فَاعْتُبِرَ اتِّصَالُهُ بِهِ، كَالشَّرْطِ وَجَوَابِهِ، وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا، وَلِأَنَّ الْحَالِفَ إذَا سَكَتَ ثَبَتَ حُكْمُ يَمِينِهِ، وَانْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِحُكْمِهَا، وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ.