• هل يخرج للجهاد وعليه ديْن؟
هذه المسألة لها أحوال:
أولاً: اتفق الفقهاء على عدم اشتراط إذن الدائن لجهاد المدين إذا كان الجهاد متعيناً عليه، سواء كان المدين معسراً أم موسراً.
لأن الخروج هنا فرض عين على كل قادر، وهو لا يحتمل التأخير، أما قضاء الدَّين فيحتمل التأخير، والضرر في ترك الخروج أعظم من الضرر في الامتناع من قضاء الدين، لأن الضرر في ترك الخروج يرجع إلى كافة المسلمين، فالواجب عليه أن يشتغل بدفع أعظم الضررين.
جاء في (الموسوعة الفقهية) وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فَلا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لا إذْنَ لِغَرِيمِه.
ثانياً: اتفق الفقهاء على أنه ليس للمدين الموسر أن يخرج للجهاد إذا كان الدين حالاً بغير إذن الدائن إلا إذا ترك وفاء، ولم يخالف فيه إلا الأوزاعي.
واستدلوا: بأن فرض الدين متعين عليه، فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم عنه غيره مقامه.
واستدلوا لجواز الجهاد إن ترك وفاءً أو أقام كفيلاً:
بفعل عبد الله بن عمرو بن حرام – والد جابر – حيث خرج إلى أحد وعليه ديْن كثير، فاستشهد وقضاه عنه ابنه بعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذمه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك ولم ينكر فعله بل مدحه، وقال: ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها.
قال ابن قدامة: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَى الْغَزْوِ إلا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، إلا أَنْ يَتْرُكَ وَفَاءً، أَوْ يُقِيمَ بِهِ كَفِيلا، أَوْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ …
ودليل ذلك أَنَّ رَجُلا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ قُتِلْت فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إلا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ولأَنَّ الْجِهَادَ تُقْصَدُ مِنْهُ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَفُوتُ بِهَا النَّفْسُ، فَيَفُوتُ الْحَقُّ بِفَوَاتِهَا.
وَأَمَّا إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلا إذْنَ لِغَرِيمِهِ; لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ، كَسَائِرِ فُرُوضِ الأَعْيَانِ …
وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً، أَوْ أَقَامَ كَفِيلا، فَلَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِيمَنْ تَرَكَ وَفَاءً.
لأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ أَبَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ خَرَجَ إلَى أُحُدٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَثِيرٌ، فَاسْتُشْهِدَ، وَقَضَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ، وَلَمْ يَذُمَّهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ فِعْلَهُ، بَلْ مَدَحَهُ، وَقَالَ: (مَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ). وَقَالَ لابْنِهِ جَابِرٌ: أَشَعَرْت أَنَّ اللَّهَ أَحْيَا أَبَاك، وَكَلَّمَهُ كِفَاحًا. (المغني).
وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للمدين الموسر أن يخرج إلى الجهاد بغير إذن الدائن، إذا كان الدين لم يحل بعد.
وبه قالت الحنفية، والمالكية.
قالوا: إن الدائن قبل حلول الدين لا حق له على المدين، فليس له مطالبة المدين بالدين، وإذا لم يكن له مطالبته فليس له منعه من الخروج.
لكن يجاب عن هذا: بأن الدائن وإن لم يكن له حق على المدين قبل حلول الدين، إلا أن الجهاد يقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها، وهذا فيه ضرر على الدائن فلا يجوز بغير إذنه.