قال الطبري مرجحاً العموم: وأولى ما قيل في تأويل قوله (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) أنه معنىٌّ به كل (فاحشة) من بَذاءٍ باللسان على زوجها، وأذى له، وزنًا بفرجها، وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة)، كلَّ فاحشة متبيّنةٍ ظاهرة، فكل زوج امرأة أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنًا أو نشوز، فله عضْلُها على ما بين الله في كتابه، والتضييقُ عليها حتى تفتدي منه، بأيِّ معاني الفواحش أتت، بعد أن تكون ظاهرة مبيِّنة بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى، وصحة الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
• هل الخلع فسخ أو طلاق؟
اختلف العلماء هل الخلع فسخ أو طلاق على قولين:
القول الأول: أن الخلع طلاق (طلقة بائنة بينونة صغرى).
وهذا قول الجمهور من المالكية، والحنفية، والشافعية، واختاره محمد بن إبراهيم والشنقيطي وابن باز.
لرواية (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً). فهذا نص على أن الخلع طلاق.
القول الثاني: أن الخلع فسخ وليس بطلاق.
وهو قول الشافعي في القديم والحنابلة واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين.
واختاره الصنعاني والشوكاني والسعدي.
أ- لقوله تعالى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ … ) ثم ذكر الخلع فقال (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ … ) ثم ذكر الطلقة الثالثة فقال (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّىَ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). فلو كان الخلع طلاقاً لكانت هذه الطلقة هي الرابعة.
قالوا: وهذا هو الذي فهمه ابن عباس، فقد ورد عنه عند عبد الرزاق (أن إبراهيم بن سعد سأل ابن عباس عن رجل طلق زوجته تطليقتين ثم اختلعت منه؟ أيَنكِحُها؟ قال: نعم، ذكر الله الطلاق في أول الآية وفي آخرها والخلع بين ذلك).
ب- ما جاء عند أبي داود (أن امرأة ثابت اختلعت منه فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدتها حيضة).
وجه الدلالة: أن الاعتداد بحيضة دليل على أن الخلع فسخ، لأن هذا غير معتبر بالطلاق، فلو كان طلاقاً لم يُكتفى بحيضة.
قالوا: إنه جاء في بعض الروايات ذكر الفراق وما شابهه، فقد جاء في رواية (فردت عليه [يعني حديقته] وأمره ففارقها) وعند أبي داود (قال: خذهما ففارقْها).
وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس: (فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- عدتها حيضة) قال: "هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، وذلك أن الله تعالى قال (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد.
الراجح أنه فسخ.