[هل يشرع الرد على الكافر إذا سلم؟]
نعم يشرع.
أ-لعموم قوله تعالى (وإذا حييتم بتحية … ).
ب-ولعموم الأدلة الدالة على مشروعية رد السلام.
ج- ولحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُم) متفق عليه.
قال ابن القيم: وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الرّدّ عَلَيْهِمْ:
فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ وَهُوَ الصّوَابُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجِبُ الرّدّ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَأَوْلَى.
وَالصّوَابُ الْأَوّلُ وَالْفَرْقُ أَنّا مَأْمُورُونَ بِهَجْرِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَعْزِيرًا لَهُمْ وَتَحْذِيرًا مِنْهُمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذّمّة.
ما كيفية الرد على أهل الكتاب.
إذا قال أحدهم (السام عليكم) - أي: الموت عليكم -، أو لم يظهر لفظ السلام واضحاً من كلامه: فإننا نجيبه بقولنا: وعليكم.
لِما جاء عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل: عليك) متفق عليه.
فإذا تحققنا من سلام الكفار علينا باللفظ الشرعي، فإن ابن القيم يرى أنه يرد بالرد الشرعي.
قال ابن القيم رحمه الله: فلو تحقق السامع أن الذمي قال له (سلام عليكم) لا شك فيه، فهل له أن يقول وعليك السلام أو يقتصر على قوله وعليك؟
فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية، وقواعد الشريعة: أن يقال له: (وعليك السلام) فإن هذا من باب العدل، والله يأمر بالعدل والإحسان … ولا ينافي هذا شيئاً مِنْ أحاديث الباب بوجه ما، فإنه -صلى الله عليه وسلم- إنما أمر بالاقتصار على قول الرادّ "وعليكم" بناء على السبب المذكور الذي كانوا يعتمدونه في تحيتهم وأشار إليه في حديث عائشة رضي الله عنها، فقال: ألا ترَيْنني قلت وعليكم لمّا قالوا السام عليكم، ثم قال: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم.
وقال بعض العلماء: بل يقال: وعليكم.
قال النووي: … لَكِنْ لَا يُقَال لَهُمْ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَام، بَلْ يُقَال: عَلَيْكُمْ فَقَطْ، أَوْ وَعَلَيْكُمْ. وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرهَا (مُسْلِم) (عَلَيْكُمْ) (وَعَلَيْكُمْ) بِإِثْبَاتِ الْوَاو وَحَذْفهَا، وَأَكْثَر الرِّوَايَات بِإِثْبَاتِهَا، وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ: أَحَدهمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِره، فَقَالُوا: عَلَيْكُمْ الْمَوْت، فَقَالَ: وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاء، وَكُلّنَا نَمُوت. وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاو هُنَا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيك، وَتَقْدِيره: وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الذَّمّ. وَأَمَّا حَذْف الْوَاو فَتَقْدِيره بَلْ عَلَيْكُمْ السَّام. قَالَ الْقَاضِي: اِخْتَارَ بَعْض الْعُلَمَاء مِنْهُمْ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ حَذْف الْوَاو لِئَلَّا يَقْتَضِي التَّشْرِيك، وَقَالَ غَيْره: بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات. قَالَ: وَقَالَ بَعْضهمْ: يَقُول: عَلَيْكُمْ السِّلَام بِكَسْرِ السِّين أَيْ الْحِجَارَة، وَهَذَا ضَعِيف. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَامَّة الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْف (وَعَلَيْكُمْ) بِالْوَاوِ، وَكَانَ اِبْن عُيَيْنَةَ يَرْوِيه بِغَيْرِ وَاو. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ (الْوَاو) صَارَ كَلَامهمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّة، وَإِذَا ثَبَتَ (الْوَاو) اِقْتَضَى الْمُشَارَكَة مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ. هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيِّ. وَالصَّوَاب أَنَّ إِثْبَات الْوَاو وَحَذْفهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَات، وَأَنَّ الْوَاو أَجْوَد كَمَا هُوَ فِي أَكْثَر الرِّوَايَات، وَلَا مَفْسَدَة فِيهِ، لِأَنَّ السَّام الْمَوْت، وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ، وَلَا ضَرَر فِي قَوْله بِالْوَاوِ.