• بما أجاب الجمهور عن أدلة من قال بالمنع؟
أجابوا بما قال النووي رحمه الله:
أحدها: جواب عائشة رضي الله عنها وتابعها عليه خلائق من العلماء، أن المراد: من صام الدهر حقيقة، بأن يصوم معه العيد والتشريق، وهذا منهي عنه بالإجماع.
الثاني: أنه - يعني حديث (لا صام من صام الأبد) - محمول على أن معناه أنه لا يجد من مشقته ما يجد غيره، لأنه يألفه ويسهل عليه، فيكون خبراً لا دعاء، ومعناه لا صام صوماً يلحقه فيه مشقة كبيرة، ولا أفطر، بل هو صائم له ثواب الصائمين.
والثالث: أنه محمول على من تضرر بصوم الدهر أو فوت به حقا، ويؤيده أنه في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص كان النهي خطاباً له، وقد ثبت عنه في الصحيح أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة، وكان يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمرو بن العاص لعلمه بأنه يضعف عن ذلك، وأقر حمزة بن عمرو - سيأتي حديثه فيما بعد - لعلمه بقدرته على ذلك بلا ضرر. (المجموع).
• بما أجاب أصحاب القول الأول عن أدلة من قال بالجواز؟
أجابوا:
- أما حديث حمزة بن عمرو (إني أسرد الصوم) بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصوم صوم الدهر، فقد قال أسامة بن زيد (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسرد الصوم فيقال لا يفطر). رواه أحمد، ومن المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصوم الدهر، فلا يلزم من ذكر السرد صوم الدهر. (الفتح).
وقد أجاب ابن حزم عن حديث حمزة بن عمرو الأسلمي وغيره من الصحابة الذين ورد أنهم كانوا يسردون الصوم: بأن سرد الصوم ليس هو صيام الدهر كله، وإنما هو متابعة الصيام لأشهر طويلة حتى يقال: لا يفطر، ولكن ليس صيام العام كله، وروي عن بعض الصحابة كعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النهي الصريح عن صيام الدهر.
- وأما قوله (صيام ثلاثة أيام كصيام الدهر … ) قال ابن القيم: هذا التشبيه إنما يقتضي التشبيه في ثوابه لو كان مستحباً.
- وأما الآية (من جاء بالحسنة … ) والحديث (من صام يوماً .... ) فأجيب عن هذين الدليلين بأنهما عامَّان في كل صيام، وقد جاءت الأدلة السابقة بتخصيص صيام الدهر من عموم الاستحباب.
- وأما الجواب عن فعل بعض الصحابة كعائشة وأبو طلحة:
أولاً: أنه موقوف لا يعارض به المرفوع.
ثانياً: وصح عن بعض السلف أنهم كانوا يمنعون من يصوم الدهر.
ثالثاً: نصوص المنع أقوى من نصوص الجواز.
والراجح القول الأول.
• اختلف المجيزون لصيام الدهر بالشرط المتقدم، أيهما أفضل: صوم الدهر أم صوم داود؟
فقيل: صوم الدهر أفضل.
لأنه أكثر عملاً، فيكون أكثر أجراً، وما كان أكثر أجراً كان أكثر ثواباً.
وقيل: صيام داود أفضل.
لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ( … صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام وهو صوم أخي داود). متفق عليه
يترجح من حيث المعنى بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق، وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل والشرب، وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهاراً، ويألف تناوله في الليل، بحيث يتجدد له طبع زائد، بخلاف من يصوم يوماً ويفطر يوماً فإنه ينتقل من فطر إلى صوم، ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام، ويأمن مع ذلك غالباً تفويت الحقوق.