للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• ما حكم المرأة إذا زنت وهي متزوجة، هل ينفسخ نكاحها؟

إذا زنت المرأة وهي متزوجة فلا ينفسخ نكاحها ولا تطلق بمجرد وقوعها في هذه المعصية، لكن يؤمر زوجها إذا لم تتب وأصرت على هذه الفاحشة أن يطلقها، حفاظاً على عرضه، وأولاده.

قال ابن قدامة رحمه الله:، إن زنت امرأة رجل، أو زنى زوجها، لم ينفسخ النكاح، سواء كان قبل الدخول أو بعده، في قول عامة أهل العلم. وبذلك قال مجاهد وعطاء والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي … ولكن أحمد استحب للرجل مفارقة امرأته إذا زنت، وقال: لا أرى أن يمسك مثل هذه. وذلك أنه لا يؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولداً ليس منه. قال ابن المنذر: لعل من كره هذه المرأة إنما كرهها على غير وجه التحريم، فيكون مثل قول أحمد هذا.

قال أحمد: ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض.

والأولى أنه يكفي استبراؤها بالحيضة الواحدة. (المغني).

وقال الشنقيطي: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا عَفِيفَةً، ثُمَّ زَنَتْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ أَنَّ أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُفْسَخُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الدَّوَامُ عَلَى نِكَاحِهَا، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ مَنْ مَنَعَ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ مُفَرِّقًا بَيْنَ الدَّوَامِ عَلَى نِكَاحِهَا، وَبَيْنَ ابْتِدَائِهِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ هَذَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَوَعَظَ، ثُمَّ قَالَ «: اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا».

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ هَذَا: أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ الْمَذْكُورِ: وَحَدِيثُهُ فِي الْخُطْبَةِ صَحِيحٌ، اهـ، وَحَدِيثُهُ فِي الْخُطْبَةِ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَوَعَظَ، وَهَذَا التَّذْكِيرُ وَالْوَعْظُ هُوَ الْخُطْبَةُ; كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا الَّذِي فِيهِ: أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ، فَقَالَ «: طَلِّقْهَا»، فَقَالَ: نَفْسِي تَتْبَعُهَا، فَقَالَ «: أَمْسِكْهَا»، وَبَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي سَنَدِهِ، وَأَنَّهُ فِي الدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ، لَا فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَنْ زَنَتْ زَوْجَتُهُ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ خِلَافُ التَّحْقِيقِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. (أضواء البيان).

فائدة: قال الشنقيطي: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِجَوَازِ نِكَاحِ الْعَفِيفِ الزَّانِيَةَ، لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْ يَكُونَ زَوْجُ الزَّانِيَةِ الْعَفِيفُ دَيُّوثًا; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَتَزَوَّجُهَا لِيَحْفَظَهَا، وَيَحْرُسَهَا، وَيَمْنَعَهَا مِنَ ارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي مَنْعًا بَاتًّا بِأَنْ يُرَاقِبَهَا دَائِمًا، وَإِذَا خَرَجَ تَرَكَ الْأَبْوَابَ مُقْفَلَةً دُونَهَا، وَأَوْصَى بِهَا مَنْ يَحْرُسُهَا بَعْدَهُ فَهُوَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا، مَعَ شِدَّةِ الْغَيْرَةِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا مِنَ الرِّيبَةِ، وَإِنْ جَرَى مِنْهَا شَيْءٌ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ بِهِ دَيُّوثًا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْعَفِيفِ الزَّانِيَةَ كَعَكْسِهِ، وَأَنَّ جَمَاعَةً قَالُوا بِمَنْعِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>