وقال الشنقيطي: وأقوال العلماء في الباقيات الصالحات كلها راجعة إلى شيءٍ واحدٍ وهو الأعمال التي ترضي الله سواء قلنا إنها "الصلوات الخمس" كما هو مروي عن جماعة من السلف منهم: ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو ميسرة وعمر بن شرحبيل، أو أنها: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
وعلى هذا القول جمهور العلماء.
وجاءت دالة عليه أحاديث مرفوعة عن أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وأبي هريرة والنعمان بن بشير وعائشة -رضي الله عنهم-.
قال مقيده -عفا الله عنه- والتحقيق: أن الباقيات الصالحات: لفظ عام يشمل الصلوات الخمس والكلمات الخمس المذكورة وغير ذلك من الأعمال التي ترضي الله تعالى؛ لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية كزينة الحياة الدنيا؛ ولأنها -أيضاً- صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى. (الأضواء).
ويشهد لذلك ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها (أنهم ذبحوا شاة على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتصدقوا بها إلا كتفها، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَقِيَ مِنْهَا؟) قَالَتْ: عائشة: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا كَتِفُهَا، قَالَ: (بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِها).
قال المباركفوري -رحمه الله-: أي: ما تصدقتَ به: فهو باق، وما بقي عندك: فهو غير باق، إشارة إلى قوله تعالى (مَا عِنْدَكم يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ).
ماذا نستفيد من قوله (الباقيات الصالحات … )؟
نستفيد أن الذي يبقى للإنسان هو العمل الصالح.
أولاً: فالعمل الصالح هو الذي يدخل معك في قبرك.
عن أنس -رضي الله عنه-، عن رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((يَتْبَعُ المَيتَ ثَلَاثَةٌ: أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبقَى عَملُهُ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ثانياً: وهو أنيسك وجليسك في القبر.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن العبد المؤمن إذا وضع في قبره يأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر برضوان من الله وجنات، أنا عملك الصالح، فوالله ما علمتك إلا كنت سريع في طاعة الله بطيء في معصية الله).
ثالثاً: وهو الحسب الحقيقي.
قال -صلى الله عليه وسلم- (قال الله عز وجل: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
وقال تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).