ومن السنة أحاديث كثيرة، منها:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا، وإنَّ حواريَّ الزبير.
وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا (خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إنَّ قريشًا جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت، ومانعوك. فقال: أشيروا أيها الناس عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عزَّ وجلَّ قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين. قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد، ولا حرب أحد، فتوجَّه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله).
فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء، وكشف مخططاتهم، وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنَّه -عليه السلام- كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصًا منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقَّتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء.
ومن صور التجسس المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب.
وقد عدَّه بعض الفقهاء من التجسس المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد، أو على الأمَّة بأسرها، وغلب على الظنِّ وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظنِّ أنَّه يتربص بآخر ليقتله، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجبًا إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.
قال الرملي: (وليس لأحد البحث والتجسس، واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة، كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كقتل وزنى، وإلا فلا.
[الحديث دليل على أن الجزاء من جنس العمل، ما وجه ذلك؟]
وجهه: أنه لما كان التسميع بالأذن كان العذاب على الأذن. ونظير ذلك:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى أصحابه قد تهاونوا في غسل الأعقاب فقال (ويل للأعقاب من النار) فجعل العذاب على الأعقاب، لأنها هي التي حصل بها المخالفة.
وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) فجعل العقوبة في ما كانت فيه المخالفة فقط.