وقال القرطبي: … وعلى هذا المعنى الذي صار إليه الجمهور يكون الشراب المذكور بمعنى: الشرب مصدرًا، لا بمعنى الشراب الذي هو المشروب. فتأمله، فإنَّه حسنٌ معنًى، وفصيحٌ لغةً، فإنَّه يقال: شرب شُربًا وشرابًا بمعنى واحد. (المفهم)
فقوله إذاً (يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا) أي: يتنفس في شربه ثلاثاً، وليس معناها أنه يتنفس في الإناء.
كما قال بعضهم: فعل ذلك ليبيِّن به جواز ذلك.
ومنهم من علل جواز ذلك في حقه -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يكن يُتَقَذَّرُ منه شيء، بل الذي يُتَقَذَّرُ من غيره يُستطاب منه، فإنَّهم كانوا إذا بزق، أو تنخع تدلكوا بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فضل وضوئه، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
قال القرطبي: وحمل هذا الحديث على هذا ليس بصحيح؛ بدليل بقية الحديث، فإنَّه قال (إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ) وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب في ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب: فلا يأمن الشَّرَق، ويحصل تقذير الماء، وقد لا يروى إذا سقط من بزاقه شيء، أو خالطه من رائحة نفسه إن كانت هنالك رائحة كريهة. وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور. وهو الصواب إن شاء الله تعالى نظرًا إلى المعنى، ولبقية الحديث. (المفهم).
وهناك حديث آخر يوضح الحديث السابق: فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
قال الشوكاني: عند شرحه لقوله -صلى الله عليه وسلم- (أو ينفخ فيه) قال: أي في الإناء الذي يشرب منه، والإناء يشمل إناء الطعام والشراب، فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الماء من قذارة ونحوها، فإنه لا يخلو النفخ غالباً من بزاق يستقذر منه، وكذا لا ينفخ في الإناء لتبريد الطعام الحار، بل يصبر إلى أن يبرد، ولا يأكله حاراً، فإن البركة تذهب منه، وهو شراب أهل النار.