١٤٦٠ - وَعَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (مِنْ اَلْكَبَائِرِ شَتْمُ اَلرَّجُلِ وَالِدَيْهِ. قِيلَ: وَهَلْ يَسُبُّ اَلرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. يَسُبُّ أَبَا اَلرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
===
(إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) أي: الذنوب الكبيرة لا الصغيرة.
قال القرطبي: لأن شتم المسلم الذي ليس بأب كبيرة، فشتم الآباء أكبر منه.
(أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) جاء في رواية (شتم الرجل والدية).
(قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) هو استبعاد من السائل، لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك.
(قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أَمَّهُ) أي: يقع شتم الرجل والديه وذلك أن الشخص يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه).
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
تحريم سب الوالدين. كما قال -صلى الله عليه وسلم- (لعن الله من لعن والديه) رواه مسلم.
[ما معنى الحديث؟]
الحديث دليل على أن من سب الوالدين تعريضهما للسب والشتم، وذلك بأن يأتي إلى شخص فيشتم والدي الشخص، فيقابله الشخص الآخر بالمثل ويشتم والديه، ولا يعني ذلك أنه يجوز للثاني أن يشتم والدي الرجل، لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، ولكنه في العادة والطبيعة أن الإنسان يجازي غيره بمثل ما فعل به، فإذا سبه سبه.
قال النووي: فَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُنْسَب إِلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْء، وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذَا عُقُوقًا لِكَوْنِهِ يَحْصُل مِنْهُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِد تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الْعُقُوقِ. وَاَللَّه أَعْلَم.
وقال القرطبي: دليلٌ على أنَّ سبب الشيء قد ينزله الشرعُ منزلةَ الشيء في المَنْع؛ فيكونُ حُجَّةً لمن منَعَ بيعَ العنبِ ممَّن يعصره خمرًا، ومنَعَ بيعَ ثيابِ الحرير ممَّن يلبسها، وهي لا تَحِلُّ له، وهو أحدُ القولَيْن لنا.
وفيه: حُجَّةٌ لمالكٍ على القولِ بِسَدِّ الذرائع، وهو مِنْ نحو قوله تعالى (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)
والذريعةُ: هي الامتناعُ مما ليس ممنوعًا في نفسه؛ مخافةَ الوقوعِ في محظور. (المفهم).