للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٧٣٤ - وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

===

(لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ) أي: عند إحرامه.

(وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ) وفي رواية (ولحلهِ قبل أن يُفيض) وللنسائي (وحين يريد أن يزور البيت).

• ماذا نستفيد من الحديث؟

نستفيد: استحباب الطيب عند الإحرام قبل عقد النية، حتى ولو استدامة رائحته حتى لو سال على الملابس.

وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وقال ابن المنذر: وبه أقول.

قال النووي: وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب الطِّيب عِنْد إِرَادَة الْإِحْرَام، وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِاسْتِدَامَتِهِ بَعْد الْإِحْرَام، وَإِنَّمَا يَحْرُم اِبْتِدَاؤُهُ فِي الْإِحْرَام، وَهَذَا مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ خَلَائِق مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَجَمَاهِير الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاء، مِنْهُمْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص، وَابْن عَبَّاس وَابْن الزُّبَيْر وَمُعَاوِيَة وَعَائِسَة وَأُمّ حَبِيبَة وَأَبُو حَنِيفَة وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُف وَأَحْمَد وَدَاوُد وَغَيْرهمْ،

وقال في الفتح: وهو قول الجمهور.

وقد جاء في الصحيحين عن عائشة قالت (كأني أنظر إلى وبيض المسك في مفرق رأسه) (الوبيض) هو البريق

وقد جاء عند أبي داود بسند قوي عن عائشة قالت: (كنا نضمخ جباهنا بالمسك المطيب، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيرانا النبي ولا ينهانا).

قال النووي: وَقَالَ آخَرُونَ بِمَنْعِهِ مِنْهُمْ: الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن، وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، قَالَ الْقَاضِي: وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ حَدِيث عَائِشَة هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَطَيَّبَ ثُمَّ اِغْتَسَلَ بَعْده، فَذَهَبَ الطِّيب قَبْل الْإِحْرَام، وَيُؤَيِّد هَذَا قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: (طَيَّبْت رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- عِنْد إِحْرَامه ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا) فَظَاهِره أَنَّهُ إِنَّمَا تَطَيَّبَ لِمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِ، ثُمَّ زَالَ بِالْغُسْلِ بَعْده، لَا سِيَّمَا وَقَدْ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَهَّر مِنْ كُلّ وَاحِدَة قَبْل الْأُخْرَى، وَلَا يَبْقَى مَعَ ذَلِكَ، وَيَكُون قَوْلهَا: (ثُمَّ أَصْبَحَ يَنْضَخ طِيبًا) أَيْ قَبْل غُسْله، وَقَدْ سَبَقَ فِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ الطِّيب كَانَ ذَرَّة، وَهِيَ مِمَّا يُذْهِبهُ الْغُسْل. قَالَ: وَقَوْلهَا: (كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى وَبِيص الطِّيب فِي مَفَارِق رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُحْرِم) الْمُرَاد بِهِ أَثَره لَا جِرْمه. هَذَا كَلَام الْقَاضِي، وَلَا يُوَافَق عَلَيْهِ؛ بَلْ الصَّوَاب مَا قَالَهُ الْجُمْهُور أَنَّ الطِّيب مُسْتَحَبّ لِلْإِحْرَامِ؛ لِقَوْلِهَا (طَيَّبْته لِحُرْمِهِ)، وَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ الطِّيب لِلْإِحْرَامِ لَا لِلنِّسَاءِ، وَيُعَضِّدهُ قَوْلهَا: (كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى وَبِيص الطِّيب).

وَالتَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي غَيْر مَقْبُول؛ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِر بِلَا دَلِيل يَحْمِلنَا عَلَيْهِ.

• ما حكم تطييب المحرم لثوبه وملابسه؟

لا يجوز للمحرِم أن يطيّب ملابس الإحرام قبل إحرامه.

وهذا مذهب الحنفية والمالكية، واختيار ابن باز وابن عثيمين.

لحديث ابن عمر السابق ( … وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنْ اَلثِّيَابِ مَسَّهُ اَلزَّعْفَرَانُ وَلَا اَلْوَرْسُ … ).

ولأن الرخصة جاءت إنما جاءت في البدن.

قال الشيخ ابن باز: لا يجوز للمحرم أن يضع الطيب على الرداء والإزار، وإنما السنة تطييب البدن كرأسه ولحيته وإبطيه ونحو ذلك، أما الملابس فلا يطيبها عند الإحرام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام (لا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران أو الورس) فالسنة أنه يتطيب في بدنه فقط، أما ملابس الإحرام فلا يطيبها ولا يلبسها حتى يغسلها أو يغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>