١٤٨٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ اَلظَّنَّ أَكْذَبُ اَلْحَدِيثِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ) أي: باعدوا أنفسكم عن ظن السوء.
===
[ماذا نستفيد من الحديث؟]
النهي عن الظن السيء.
لقوله (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ) أي: باعدوا أنفسكم عن ظنّ السوء.
والظن الذي أمرنا باجتنابه هو بمعنى التهمة التي لا يعرف لها إمارات صحيحة ولا أسباب ظاهرة لا سيما إن كان المظنون به من أهل الأمانة ظاهراً والستر والصلاح، وهو - أي الظن - بهذا الاعتبار حرام لهذه الآية.
قال النووي: المراد النهي عن ظن السوء.
فسوء الظن هو: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل.
وقال ابن القيم: سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح.
وقال ابن كثير: سوء الظن هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله.
وقال القرطبيّ رحمه الله: الظن هنا هو التهمة، ومحلّ التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتّهم شخصًا بالفاحشة، أو بشرب الخمر، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك.
ودليل كون الظنّ هنا بمعنى التهمة قوله بعد هذا: "ولا تجسّسوا، ولا تحسّسوا"، وذلك أنَّه قد يقع له خاطر التهمة ابتداءً، فيريد أن يتجسّس خبر ذلك، ويبحث عنه، ويتبصّر، ويتسمّع؛ ليحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث: "إذا ظننت فلا تُحقّق"، وقال الله تعالى (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) وذلك أن المنافقين تطيّروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبأصحابه حين انصرفوا إلى الحديبية، فقالوا: إن محمّدًا وأصحابه أكلة رأس، ولن يرجعوا إليكم أبدًا، فذلك ظنّهم السيّئ الذي وبّخهم الله تعالى عليه، وهو من نوع ما نَهَى الشرع عنه، إلا أنَّه أقبح النوع. (المفهم).
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا).
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب من الناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً فليجتنب كثيراً منه احتياطاً.
وقوله (إن بعض الظن إثم) وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي ويفعل ما لا ينبغي.