سابعاً: معرفة الرتبة العالية والميزة المتقدمة لمن ملك نفسه.
لحديث الباب (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
وقال -صلى الله عليه وسلم- (الصرعة كل الصرعة الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه، ويقشعر شعره فيصرع غضبه) رواه الإمام أحمد.
وينتهز عليه الصلاة والسلام الفرصة في حادثة أمام الصحابة ليوضّح هذا الأمر.
فعن أنس (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرّ بقوم يصطرعون، فقال: ما هذا؟ قالوا: فلان الصريع ما يصارع أحداً إلا صرعه قال: أفلا أدلكم على من هو أشد منه، رجلٌ ظلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه). رواه البزار قال ابن حجر بإسناد حسن
ثامناً: التأسي بهديه -صلى الله عليه وسلم- في الغضب.
وهذه السمة من أخلاقه -صلى الله عليه وسلم-، وهو أسوتنا وقدوتنا، واضحة في أحاديث كثيرة، ومن أبرزها:
حديث أنس رضي الله عنه قال (كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما بين العنق والكتف) وقد أثرت بها حاشية البرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء) متفق عليه.
تاسعاً: معرفة أن رد الغضب من علامات المتقين.
قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين).
ومن أخلاقهم أنهم (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ).
عاشراً: دعاء الله.
كان من دعائه -عليه السلام- (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى … ).
قال الحافظ ابن رجب: وأما قوله (وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا) فعزيز جداً، وقد مدح الله من يغفر عند غضبه فقال (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) لأن الغضب يحمل صاحبه على أن يقول غير الحق، ويفعل غير العدل، فمن كان لا يقول إلا الحق في الغضب والرضا، دل ذلك على شدة إيمانه وأنه يملك نفسه.
ثم قال رحمه الله: فإن من لا يملك نفسه عند الغضب إذا غضب قال فيمن غضب عليه ما ليس فيه من العظائم، وهو يعلم أنه كاذب.