رابعاً: التواضع من أخلاق الأنبياء وشِيَم النبلاء.
فهذا موسى عليه السلام رفع الحجرَ لامرأتين أبوهما شيخٌ كبير.
وداود عليه السلام كان يأكل من كَسب يده.
وزكريّا عليه السلام كان نجّارًا.
وعيسى عليه السلام يقول (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).
وما مِنْ نبيّ إلاّ ورعى الغنم، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم كان رقيقَ القلب رحيمًا خافضَ الجناحِ للمؤمنين ليّن الجانب لهم، يحمِل الكلَّ ويكسِب المعدوم، ويعين على نوائبِ الدّهر، وركب الحمارَ وأردفَ عليه، يسلّم على الصبيان، ويبدأ من لقيَه بالسلام، يجيب دعوةَ من دعاه ولو إلى ذراعٍ أو كُراع، ولما سئِلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنَع في بيته؟ قالت: يكون في مهنة أهله ـ يعني: خدمتهم ـ، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري.
خامساً: التواضعُ سبَب العدلِ والأُلفة والمحبّة في المجتمع.
لحديث الباب (حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ).
[اذكر بعض أقوال السلف في فضل التواضع؟]
قال الشافعي: لا يطلب هذا العلم أحد بالملك وعزة النفس فيفلح لكن من طلبه بذل النفس و ضيق العيش وخدمة العلم وتواضع النفس أفلح.
وقال عبد الله بن المعتز: المتواضع في طلب العلم أكثرهم علمًا كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء.
وقال إبراهيم بن شيبان: الشَّرف في التَّواضُع، والعزُّ في التَّقوى، والحرِّية في القناعة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إنكم لتغفلون، أفضل العبادة: التواضع.
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ *** على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيعُ
قال ابن الحاج رحمه الله: "من أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى؛ فإن العزة لا تقع إلا بقدرِ النزولِ، ألا ترى أن الماءَ لما نزلَ إلى أصلِ الشجرةِ صعدَ إلى أعلاها فكأن سائلاً سأله: ما صعدَ بِكَ هنا -أعني في رأس الشجرة- وأنت تحت أصلها؟ فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه.
قال عروة بن الورد: التواضع أحد مصائد الشرف، وكل نعمة محسود عليها إلا التواضع.