القول الثاني: أنها غير واجبة.
وهذا مذهب جماهير العلماء.
أ- لحديث ابْنِ عَبَّاس. قَال (أَقْبَلْتُ رَاكِباً عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى بِالنَّاسِ بِمِنًى إلى غَيرِ جِدار، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد) متفق عليه.
وجه الدلالة: قوله (إلى غير جدار) قال الحافظ ابن حجر: أي إلى غير سترة، قاله الشافعي، وسياق الكلام يدل على ذلك، لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار بلفظ (والنبي يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره).
ب- ولحديث أبي سعيد وسيأتي (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أن يجتاز بين يديه … ).
فقوله: (إذا صلى أحدكم … ) يدل على أن المصلي قد يصلي إلى شيء يستره وقد لا يصلي.
وهذا القول هو الراجح.
• هل السترة مشروعة حتى في الفضاء؟
نعم، فالسترة مستحبة سواء صلى في العمران أو في الفضاء، خشي ماراً أو لم يخشى.
قال الشوكاني: اعلم أن ظاهر أحاديث الباب عدم الفرق بين الصحاري والعمران، وهو الذي ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من اتخاذه السترة سواء في الفضاء أو في غيره.
وقال السفاريني: اعلم أنه يستحب صلاة المصلي إلى سترة اتفاقاً ولو لم يخشى ماراً خلافاً لمالك.
• ما الحكم إذا انتهى الإمام من صلاته وقام المأموم يقضي فهل تستمر سترة الإمام سترة للمأمومين، أو يكون الإمام سترة للمأموم بعد انفراده؟
الجواب: المأموم لما سلم الإمام صار منفرداً فلا تكون سترة الإمام سترة له حتى الإمام الآن ليس بإمام؛ لأنه انصرف وذهب عن مكانه.
لكن هل يشرع للمأموم بعد ذلك إذا قام يقضي ما فاته أن يتخذ سترة؟
الذي يظهر لي: أنه لا يشرع، وأن الصحابة رضي الله عنهم إذا فاتهم شيء قضوا بدون أن يتخذوا سترة.
ثم لو قلنا: بأنه يستحب أن يتخذ سترة، أو يجب على قول من يرى وجوب السترة، فإن الغالب أنه يحتاج إلى مشي وإلى حركة لا نستبيحها إلا بدليل بيِّن، فالظاهر أن المأموم يقال له: سترة الإمام انتهت معك وأنت لا تتخذ سترة؛ لأنه لم يرد اتخاذ السترة في أثناء الصلاة، وإنما تتخذ السترة قبل البدء في الصلاة. (لقاء الباب المفتوح).